في ذكرى مصيبة 5 يونيو حزيران 1967

للرفع .. .بمناسبة …مصائب …

==========

استسلام الجنود العرب في حرب 67

قلم خالص جلبي

أرسل لي الأستاذ اللامع (أحمد عصمت بربور) من الإمارات ينقل عن أيام المصيبة، التي نزلت على رؤوس العرب، أن موشي ديان سئل عن الحرب وكانت خطتها بعمومها قد جاءت في صحف عالمية فكان جوابه:
“إن العرب لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يعملون، وإذا عملوا لا يخلصون، ……”
وفي تلك الأيام سرت شائعة في مثل هذا الكلام، وما تناقلناه يومها فقط العبارة الأولى (أن العرب لا يقرؤون!)، وهي حقيقة لا تحتاج إلى شهادة موشي ديان، ولم أعثر على أصل لهذا الكلام، وفي أي مكان ومنبر قيل؟ ولكن قوة الشائعات قوية ولها قانون كرة الثلج.
ولكن الشيء الأكيد أن (مالك بن نبي) المفكر الجزائري كان في زيارتنا عام 1971م، قبل موته بقليل، قد ألقى محاضرة في مدرج جامعة دمشق، اغتصت بالناس فلم يبق مكان، فوقف الناس بالآلاف، ومنهم خارج القاعة، والمهتمون بالثقافة في بلاد الشام كثيرون، حتى مع وجود الطاعون البعثي الذي أصاب العقل بالكسوف والخسوف، ولكن كلا من الخسوف والكسوف آني راحل بإذن الله، ولسوف تشرق شمس ربيع بديعة على سماء دمشق وحلب وما بينهما، تلك البلاد التي مر عليها من الطواغيت ما لا يحصرهم كتاب ويضمهم سفر. وتلك الأيام نداولها بين الناس.
ذكر لنا مالك بن نبي أن مائدة مستديرة عقدت في باريس، بين نخبة من المفكرين، لبحث سبب الكارثة، وسماها عبد الناصر يومها النكسة، فأخذ الناس يرددون هذه الخرافة، كما كانت مسرحية اعتزاله وإعادة تنصيبه خرافة أكبر، أعدت بأيدي سحرة فرعون، لأمة فقدت الرشد منذ أيام الفرعون بيبي الثاني.
قال مالك لقد كانت النتيجة التي خلص إليها مؤتمر باريس أن هزيمة يونيو 67 هي هزيمة حضارية وليست عسكرية فقط؟
نظرنا في بعضنا نسأل أين المؤتمر ومتى وكيف ومن؟؟ وعرفنا أننا عن العالم غائبون!!
وحين أرجع بالذاكرة إلى تلك الأيام، أتذكر نفسي وأنا مطارد من المخابرات البعثية، فقد كانوا يتصيدونني كما يفعل الصياد عند مشرب الماء إذا ورده الغزال؟
كانت مادة التشريح وأستاذها فايز المط رحمه الله صعبة، تحتاج إلى الحفظ الكثير، فاشتغلت بها في قرية جديدة الشيباني، عند صديقي نذير الحموي، الذي أصبح في أمريكا، حتى نضجت واستوت، وفي الصباح جئت إلى القاعة فكانت عناصر الأمن في انتظاري!
قالوا لي كعادتهم تفضل معنا خمس دقائق!!
وأعرف أن دقيقة عندهم كألف سنة مما تعدون!!
قلت للمجرم ذي السحنة السوداء والشوارب الستالينية: لست فارغا لكم، وهرعت إلى القاعة، وقدمت المادة تحت أعينهم، وكانت تلك الأيام فيها بقية من احترام الجامعة، أما اليوم فقد تم استباحة كل شيء وتدمير جهاز القضاء والصحة والتعليم، وأصبحت الرشوة ولأعلى المستويات عادية، فضلا عن سرقة المساجد مثل مسجد حلب الأموي تحت أعين المخابرات والجاندرما بدعوى إصلاح المسجد فأفسد ونهب!!
وبعد تلك المادة بعد أن نجوت من أيدي (الشباب الطيبة!) بقيت مختفيا إلى حين الكارثة، فلما وقعت أفرج عن (جودت سعيد) وعلماء كثر كانوا رهن الاعتقال في سجن تدمر الرهيب، الذي سيصبح مسلخا بلديا للتعذيب والشنق، يأخذ أرواح عشرات الآلاف إلى بارئها، في ظلام وقر وحر الصحراء تحت أعين الغربان السوداء، فكانت هزيمة حزيران سببا في خلاص المعتقلين، وسره أن النظام البعثي شعر أنه انتهى، ففتح السجون، وأعلن وزير الدفاع ـ وكان يومها حافظ الأسد ـ سقوط الجولان قبل سقوطها، وبكى رئيس الدولة (نور الدين الأتاسي) أمام العالم عله ينقذه..
قال مالك بن نبي: لقد تصرف العرب مثل الطفل الذي اعتاد البكاء حلا لمشكلاته، في معرض حديثه عن الثقافة…
كنت في رحلة الهرب والاختفاء من موضع لموضع في أعظم من سجن، وبقي قرار القبض علي ساري المفعول، حتى أخذوني لاحقا من عائلتي، وزوجتي حاملة طفلتها الأولى، جنينا خمسة أشهر..
وفي السيارة إلى الزبداني، ما زلت أذكر أمامي رجلا معتمرا طربوشا أحمر، وهو يهز رأسه فرحا ويقول: حقا إن الانتصار لذيذ..
قال ذلك والراديو يذيع نبأ سقوط طائرات العدو وكان الرقم قد تجاوز 400 طائرة، حتى عرفنا لاحقا أن آلة الكذب قصيرة.. وأن أحمد سعيد مسيلمة جديد، وأن كل طائراتنا أصبحت في خبر كان..
أما والد صديقي الزيتوني في الزبداني (الناصري) فقال إن الرئيس يقوم بمناورة لجر اليهود إلى الصحراء في خدعة ذكية من بنات عبقريته؟؟ فيدفنهم فيها؟
لنعرف أن من دفن كانوا جنود فرعون المصري..
وعرفنا لاحقا أن كل الجيش المصري، أصبح مثل جيش فرعون في اليم.. هذه المرة ليس في البحر؛ بل الصحراء وهي أدهى وأمر..
وحدق موشي ديان( الأعور) في عيون العرب التي ليس فيها عور، بل لهم قلوب لا يعقلون بها وأعين لا يبصرون بها وآذان لا يسمعون بها..
وما زالت الفاتورة الناصرية تدفع بأشد من تعويضات ألمانيا لضحايا الهولوكوست.. ذكرى وموعظة للمؤمنين.

الرابط

اترك رد