حرية عن طريق العنف؟
ما العمل إذا في مثل هذه الظروف التي تبدوا فيها الإمكانيات الجلية وكأنها عديمة الفائدة حيث أن الأنظمة الدكتاتورية غالبا ما تتجاهل المحددات القانونية والدستورية والأحكام القضائية والرأي العام .يكون استنتاج الناس في ردة فعلهم على الممارسات الوحشية والتعذيب والاختفاء والقتل أن العنف وحده فقط قادر على القضاء على الأنظمة الدكتاتورية .فنجد أحيانا أن الضحايا الغاضبون ينظمون صفوفهم لمحاربة ممارسات الأنظمة الدكتاتورية الوحشية مستخدمين ما أتيح لهم من عنف ومن قدرات عسكرية بالرغم من ضعف فرص النجاح ويقاتلونبشجاعة ويدفعون ثمنا باهظا في المعاناة والأرواح، يحققون إنجازات مميزة ولكن قليلا ما أدت أعمالهم إلى ًالحصول على الحرية، لأن الثورات العنيفة غالبا ما تواجه بممارسات قمع وحشية تقتل ما تبقى من أم لدى الناس.
خيار استخدام العنف مهما كانت حسناته يعكس بوضوح أمرا واحدا وهو أن اللجوء إلى وضع الثقة في أساليب العنف إنما يعني استخدام أسلوب للنضال يتميز الطغاة دائما بالتفوق فيه .تتميز الأنظمة الدكتاتورية باستعدادها لاستخدام العنف الذي تستطيع به سحق الحركات الديمقراطية مهما طال الزمن وفي نهاية المطاف لا تجد هذه الحركات أمامها خيارا إلا مواجهة الحقائق العسكرية الصعبة وهي أن الأنظمة الدكتاتورية تتفوق بامتلاكها للعتاد العسكري والذخائر ووسائل النقل وتتفوق بحجم القوات العسكرية بحيث لا تستطيع الحركات الديمقراطية برغم شجاعة أفرادها من أن تكون، في أغلب الأحيان، مثيلا لها .
يلجأ المنشقون عادة إلى حرب العصابات عندما يتضح لهم عدم واقعية التمرد العسكري، ولكن هذا الخيار لا يعود في أغلب الأحيان بالنفع على الشعوب المضطهدة أو يقودها نحو تحقيق الديمقراطية .إن خيار حرب العصابات يؤدي إلى وقوع خسائر فادحة في أبناء الشعب المضطهد، أضف إلى ذلك أن إمكانية فشل هذا الخيار واردة بالرغم من وجود نظرية وتحاليل إستراتيجية معز زة ووجود دعم دولي له .وعادة ما تستمر حرب العصابات إلى فترات طويلة يقوم خلالها النظام الحاكم بإجبار السكان على النزوح مما يؤدي إلى معاناة جسيمة .
وحتى إذا حققت حرب العصابات نجاحا فإن لها أثرا سلبيا على المدى البعيد , فهي تحول النظام الدكتاتوري الحاليإلى نظام أكثر دكتاتورية، وعند نجاح مقاتلي حرب العصابات وتوليهم السلطة فإنهم يخلقون نظام حكم أكثر دكتاتورية من النظام السابق الذي حاربوا ضده بسبب تأثير مركزية القوات العسكرية (المنتصرة) وبسبب ضعف أو دمار مجموعات ومؤسسات المجتمع المستقلة – التي هي بمثابة العناصر الحيوية في إنشاء مجتمع ديمقراطي دائم -أثناء فترة النضال .من هنا فإن على خصوم الأنظمة الدكتاتورية أن يبحثوا عن خيار آخر.
انقلابات، انتخابات، منقذين أجانب؟
قد ينظر البعض إلى أي انقلاب ضد نظام دكتاتوري على أنه الخيار الأسهل والأسرع ن بيا في ال خلص من النظام الحاكم البغيض .ولكن هناك مشاكل خطرة ترافق هذا الخيار أهمها أنه لا يغير في مساوئ توزيع السلطات بين الشعب وبين الفئة التي تسيطر على الحكومة وقواتها العسكرية .إن إزاحة أشخاص معينين أو إزاحة زمرة معينة تفتح المجال أمام مجموعة أخرى لتحل محلها، وقد تكون هذه المجموعة، من الناحية النظرية، أكثر دعة في ممارساتها وتكون منفتحة أكثر بطرق محدودة إلى الإصلاح الديمقراطي، لكن إمكانية حدوث العكس هي الأقوى . (( دكتاتورية اكثر ذكاء)) .
فعندما تعزز الزمرة مركزها فإنها قد تتحول إلى نظام أكثر همجية وأكثر طموحا من النظام السابق، بالتالي فإن زمرة الحكم الجديدة– التي عقد الناس عليها آمالهم -تستطيع أن تفعل ما تريد دون أي مراعاة للديمقراطية أو حقوق الإنسان، وهذا ما لا نطمح إليه في بحثنا عن حل لمشكلة وجود نظام دكتاتوري.
لا تسمح الأنظمة الدكتاتورية اجراء انتخابات قد تحدث تغيرات سياسية هامة .ونجد أن بعض الأنظمة الدكتاتورية مثل الأنظمة التي حكمت الاتحاد السوفييتي سابقا قامت بإجراء استفتاءات لتظهر وكأنها ديمقراطية،
ٍولكن هذه الاستفتاءات كانت مجرد إجراءات شكلية للحصول على موافقة الناس على مرشحين اختارتهم تلك الأنظمة بعناية بالغة .قد يوافق الحكام الدكتاتوريون على إجراء انتخابات إذا وقعوا تحت ضغوطات، ولكنهم يتلاعبون بها لكي يعينوا دمى يتحكمون بها، وإذا سمح لشخص معارض أن يرشح نفسه ويتم بالفعل انتخابهً
يتم تجاهل النتائج أو قد يتعرض الشخص المنتخب إلى الترهيب أو الاعتقال أو حتى الإعدام مثلما حصل في بورما عام 0991 ونيجيريا عام3991 ، فالحكام الدكتاتوريون لا يسمحون بإجراء انتخابات تؤدي إلى عزلهم عن عروشهم.
لا يؤمن الكثير من الناس الذين يعانون تحت نير الأنظمة الدكتاتورية الوحشية، والعديد منهم الذين اختاروا المنفى لينجو من قبضتها، في قدرة الشعوب المضطهدة على تحرير أنفسها، فهم يأملون النجاة لشعوبهم فقط إذا تدخل الآخرون .حيث يضع هؤلاء ثقتهم في القوى الخارجية ويؤمنون أن المساعدة الدولية فقط تمتلك القوة الكافية لإسقاط الأنظمة الدكتاتورية .
قد تكون هذه النظرة– عدم قدرة الشعوب المضطهدة على العمل بشكل مؤثر -صحيحة لفترة معينة من الزمن لأنه كما ذكرنا سابقا لا تملك الشعوب المضطهدة الرغبة أو القدرة– بشكل مؤقت -على المقاومة، حيث أنه ا لا تملك ًالثقة في القدرة على مواجهة همجية الأنظمة الدكتاتورية ولا تعرف طريق لخلاصها .من هنا نجد أن الكثير من الناس يضعون آمالهم في التحرر في الآخرين (التدخل الخارجي) حيث تعقد الآمال على قوة خارجية قد تتمثل في الرأي العام أو الأمم المتحدة أو بلد معين أو في إجراء مقاطعة اقتصادية وسياسية.
قد يبدو هذا السيناريو محبطا ولكن في حقيقة الأمر نجد أن الاعتماد على قوة خارجية له انعكاساته الخطرة، فقد
نضع ثقتنا في موضع خاطئ لأن المنقذ الخارجي لن يأتي يوما وحتى إذا تدخلت دولة أجنبية فإنه لا يجب الثقة بها.
فيما يلي عرض لبعض الحقائق المر ة المتعلقة في الاعتماد على التدخل الأجنبي والتي تتطلب التركيز:
• تتحمل الدول الأجنبية أو حتى تساعد أنظمة الحكم الدآتاتورية من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية .
• الدول الأجنبية مستعدة لبيع الشعوب المضطهدة بدلا من الحفاظ على وعودها لها. بالمساندة والتحرر مقابل هدف آخر.
• تتخذ الدول الأجنبية خطوات ضد الأنظمة الدكتاتورية فقط من أجل الحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية وسيطرة عسكرية على البلاد.
• قد تتحرك الدول الأجنبية لمساندة المقاومة الداخلية عندما تكون الأخيرة قد بدأت بهزم النظام الدكتاتوري وحولت تركيز العالم إلى طبيعته الهمجية.
يعود فضل بقاء الأنظمة الدكتاتورية في الوجود أساسا على التوزيع الداخلي للسلطة في البلاد التي تحكمها، فالسكان والمجتمع لا يشكلوا خطرا محدقا بسبب ضعفهم لأن ثروة البلاد ومراكز قوتها موجودة في أيدي حفنة من الناس .أضف إلى ذلك أن التدخلات الدولية ضد الأنظمة الدكتاتورية قد تفيدها أو تضعفها بشكل أو بآخر، أم ابالنسبة لاستمرارية وبقاء الأنظمة الدكتاتورية فهذا يتوقف بالأساس على عوامل داخلية .
فالضغوطات الدولية مثل فرض مقاطعة اقتصادية دولية أو فرض حصار اقتصادي أو قطع العلاقات الدبلوماسية أو الطرد من المنظمات الدولية أو الاستنكار من قبل المنظمات التابعة الأمم المتحدة أو الأعمال الأخرى المشابهة تعود بالفائدة على الشعوب المضطهدة ولكن فقط عندما يكون لديها حرآة مقاومة داخلية قوية لأن بغياب مثل هذه الحرآة لن يكون هناك ردود فعل دولية.
مواجهة الحقيقة الصعبة:
النتيجة صعبة لأنه إذا أردنا أن نسقط نظام حكم دكتاتوري بفعالية وبأقل التكاليف فعلينا أن نقوم بالمهام الأربع التالية:
• تعزيز الشعوب المضطهدة في تصميمها وعزيمتها وثقتها بنفسها ومهارات المقاومة.
• تعزيز جماعات ومؤسسات الشعوب المضطهدة الاجتماعية المستقلة (المجتمع المدني).
• خلق قوة مقاومة داخلية قوية.
• وضع خطة تحرر إستراتيجية حكيمة واقعية واضحة المعالم , وتنفيذها بمهارة.
لقراءة الكتيب كاملا اضغط هنا