مقتطفات من كتاب – من الدكتاتورية الى الديمقراطية – جين شارب –

حرية عن طريق العنف؟‬

ما العمل إذا في مثل هذه الظروف التي تبدوا فيها الإمكانيات الجلية وكأنها عديمة الفائدة حيث أن الأنظمة ‫الدكتاتورية غالبا ما تتجاهل المحددات القانونية والدستورية والأحكام القضائية والرأي العام .يكون استنتاج الناس‬ ‫في ردة فعلهم على الممارسات الوحشية والتعذيب والاختفاء والقتل أن العنف وحده فقط قادر على القضاء على ‫الأنظمة الدكتاتورية .فنجد أحيانا أن الضحايا الغاضبون ينظمون صفوفهم لمحاربة ممارسات الأنظمة الدكتاتورية‬ ‫الوحشية مستخدمين  ما أتيح لهم من عنف ومن قدرات عسكرية بالرغم من ضعف فرص النجاح ويقاتلون‬‫بشجاعة ويدفعون ثمنا باهظا في المعاناة والأرواح، يحققون إنجازات مميزة ولكن قليلا ما أدت أعمالهم إلى ً‬‫الحصول على الحرية، لأن الثورات العنيفة غالبا ما تواجه بممارسات قمع وحشية تقتل ما تبقى من أم  لدى‬ ‫الناس.‬

‫خيار استخدام العنف مهما كانت حسناته يعكس بوضوح أمرا واحدا وهو أن اللجوء إلى وضع الثقة في أساليب‬ ‫العنف إنما يعني استخدام أسلوب للنضال يتميز الطغاة دائما بالتفوق فيه .تتميز الأنظمة الدكتاتورية باستعدادها‬ ‫لاستخدام العنف الذي تستطيع به سحق الحركات الديمقراطية مهما طال الزمن وفي نهاية المطاف لا تجد هذه‬ ‫الحركات أمامها خيارا إلا مواجهة الحقائق العسكرية الصعبة وهي أن الأنظمة الدكتاتورية تتفوق بامتلاكها للعتاد‬  ‫العسكري والذخائر ووسائل النقل وتتفوق بحجم القوات العسكرية بحيث لا تستطيع الحركات الديمقراطية برغم‬ ‫شجاعة أفرادها من أن تكون، في أغلب الأحيان، مثيلا لها .‬

‫يلجأ المنشقون عادة إلى حرب العصابات عندما يتضح لهم عدم واقعية التمرد العسكري، ولكن هذا الخيار لا يعود‬ ‫في أغلب الأحيان بالنفع على الشعوب المضطهدة أو يقودها نحو تحقيق الديمقراطية .إن خيار حرب العصابات‬ ‫يؤدي إلى وقوع خسائر فادحة في أبناء الشعب المضطهد، أضف إلى ذلك أن إمكانية فشل هذا الخيار واردة‬ ‫بالرغم من وجود نظرية وتحاليل إستراتيجية معز زة ووجود دعم  دولي  له .وعادة ما تستمر حرب العصابات إلى‬ ‫فترات طويلة يقوم خلالها النظام الحاكم بإجبار السكان على النزوح مما يؤدي إلى معاناة جسيمة .‬

‫وحتى إذا حققت حرب العصابات نجاحا فإن لها أثرا سلبيا على المدى البعيد , فهي تحول النظام الدكتاتوري الحالي‫إلى نظام أكثر دكتاتورية، وعند نجاح مقاتلي حرب العصابات وتوليهم السلطة فإنهم يخلقون نظام حكم أكثر‬  ‫دكتاتورية من النظام السابق الذي حاربوا ضده بسبب تأثير مركزية القوات العسكرية (المنتصرة) وبسبب ضعف أو ‫دمار مجموعات ومؤسسات المجتمع المستقلة – التي هي بمثابة العناصر الحيوية في إنشاء مجتمع ديمقراطي‬ ‫دائم -أثناء فترة النضال .من هنا فإن على خصوم الأنظمة الدكتاتورية أن يبحثوا عن خيار آخر.‬

‫انقلابات، انتخابات، منقذين أجانب؟‬

‫قد ينظر البعض إلى أي انقلاب ضد نظام دكتاتوري على أنه الخيار الأسهل والأسرع ن بيا في ال خلص من‬ ‫النظام الحاكم البغيض .ولكن هناك مشاكل خطرة ترافق هذا الخيار أهمها أنه لا يغير في مساوئ توزيع السلطات‬ ‫بين الشعب وبين الفئة التي تسيطر على الحكومة وقواتها العسكرية .إن إزاحة أشخاص معينين أو إزاحة زمرة ‫معينة تفتح المجال أمام مجموعة أخرى لتحل محلها، وقد تكون هذه المجموعة، من الناحية النظرية، أكثر دعة‬ ‫في ممارساتها وتكون منفتحة أكثر بطرق محدودة إلى الإصلاح الديمقراطي، لكن إمكانية حدوث العكس هي‬ ‫الأقوى .‬ (( دكتاتورية اكثر ذكاء)) .

‫فعندما تعزز الزمرة مركزها فإنها قد تتحول إلى نظام أكثر همجية وأكثر طموحا من النظام السابق، بالتالي فإن‬  ‫زمرة الحكم الجديدة– التي عقد الناس عليها آمالهم -تستطيع أن تفعل ما تريد دون أي مراعاة للديمقراطية أو ‫حقوق الإنسان، وهذا ما لا نطمح إليه في بحثنا عن حل لمشكلة وجود نظام دكتاتوري.‬

‫لا تسمح الأنظمة الدكتاتورية اجراء انتخابات قد تحدث تغيرات سياسية هامة .ونجد أن بعض الأنظمة‬ ‫الدكتاتورية مثل الأنظمة التي حكمت الاتحاد السوفييتي سابقا قامت بإجراء استفتاءات لتظهر وكأنها ديمقراطية،‬

‫ٍ‬‫ولكن هذه الاستفتاءات كانت مجرد إجراءات شكلية للحصول على موافقة الناس على مرشحين اختارتهم تلك‬ ‫الأنظمة بعناية بالغة .قد يوافق الحكام الدكتاتوريون على إجراء انتخابات إذا وقعوا تحت ضغوطات، ولكنهم‬ يتلاعبون بها لكي يعينوا دمى يتحكمون بها، وإذا سمح لشخص معارض أن يرشح نفسه ويتم بالفعل انتخابهً‬

‫يتم تجاهل النتائج أو قد يتعرض الشخص المنتخب إلى الترهيب أو الاعتقال أو حتى الإعدام مثلما حصل في‬ بورما عام 0991 ونيجيريا عام3991 ، فالحكام الدكتاتوريون لا يسمحون بإجراء انتخابات تؤدي إلى عزلهم عن‬ ‫عروشهم.‬

‫لا يؤمن الكثير من الناس الذين يعانون تحت نير الأنظمة الدكتاتورية الوحشية، والعديد منهم الذين اختاروا المنفى‬ ‫لينجو من قبضتها، في قدرة الشعوب المضطهدة على تحرير أنفسها، فهم يأملون النجاة لشعوبهم فقط إذا تدخل‬ ‫الآخرون .حيث يضع هؤلاء ثقتهم في القوى الخارجية ويؤمنون أن المساعدة الدولية فقط تمتلك القوة الكافية‬ ‫لإسقاط الأنظمة الدكتاتورية .‬

‫قد تكون هذه النظرة– عدم قدرة الشعوب المضطهدة على العمل بشكل مؤثر -صحيحة لفترة معينة من الزمن لأنه‬ ‫كما ذكرنا سابقا لا تملك الشعوب المضطهدة الرغبة أو القدرة– بشكل مؤقت -على المقاومة، حيث أنه ا لا تملك‬ ً‫الثقة في القدرة على مواجهة همجية الأنظمة الدكتاتورية ولا تعرف طريق لخلاصها .من هنا نجد أن الكثير من‬ ‫الناس يضعون آمالهم في التحرر في الآخرين (التدخل الخارجي) حيث تعقد الآمال على قوة خارجية قد تتمثل في الرأي العام أو ‫الأمم المتحدة أو بلد معين أو في إجراء مقاطعة اقتصادية وسياسية.‬

‫قد يبدو هذا السيناريو محبطا  ولكن في حقيقة الأمر نجد أن الاعتماد على قوة خارجية له انعكاساته الخطرة، فقد‬‬

‫نضع ثقتنا في موضع خاطئ لأن المنقذ الخارجي لن يأتي يوما وحتى إذا تدخلت دولة أجنبية فإنه لا يجب الثقة‬  ‫بها.‬

‫فيما يلي عرض لبعض الحقائق المر ة المتعلقة في الاعتماد على التدخل الأجنبي والتي تتطلب التركيز:‬

‫•‬ ‫تتحمل الدول الأجنبية أو حتى تساعد أنظمة الحكم الدآتاتورية من أجل الحفاظ على‬ ‫مصالحها الاقتصادية والسياسية .‬

‫•‬ ‫الدول الأجنبية مستعدة لبيع الشعوب المضطهدة بدلا من الحفاظ على وعودها لها.‬ ‫بالمساندة والتحرر مقابل هدف آخر.‬

‫•‬ ‫تتخذ الدول الأجنبية خطوات ضد الأنظمة الدكتاتورية فقط من أجل الحصول على‬ ‫مكاسب اقتصادية وسياسية وسيطرة عسكرية على البلاد.‬

‫•‬ ‫قد تتحرك الدول الأجنبية لمساندة المقاومة الداخلية عندما تكون الأخيرة قد بدأت بهز‬م ‫النظام الدكتاتوري وحولت تركيز العالم إلى طبيعته الهمجية.

‬‫يعود فضل بقاء الأنظمة الدكتاتورية في الوجود أساسا على التوزيع الداخلي للسلطة في البلاد التي تحكمها،‬ ‫فالسكان والمجتمع لا يشكلوا خطرا محدقا بسبب ضعفهم لأن ثروة البلاد ومراكز قوتها موجودة في أيدي حفنة‫  من الناس .أضف إلى ذلك أن التدخلات الدولية ضد الأنظمة الدكتاتورية قد تفيدها أو تضعفها بشكل أو بآخر، أم ا‬‫بالنسبة لاستمرارية وبقاء الأنظمة الدكتاتورية فهذا يتوقف بالأساس على عوامل داخلية .‬

‫فالضغوطات الدولية مثل فرض مقاطعة اقتصادية دولية أو فرض حصار اقتصادي أو قطع العلاقات الدبلوماسية‬  ‫أو الطرد من المنظمات الدولية أو الاستنكار من قبل المنظمات التابعة الأمم المتحدة أو الأعمال الأخرى المشابهة‬ ‫تعود بالفائدة على الشعوب المضطهدة ولكن فقط عندما يكون لديها حرآة مقاومة داخلية قوية لأن بغياب مثل هذه‬ ‫الحرآة لن يكون هناك ردود فعل دولية.‬

‫مواجهة الحقيقة الصعبة‬:

‫النتيجة صعبة لأنه إذا أردنا أن نسقط نظام حكم دكتاتوري بفعالية وبأقل التكاليف فعلينا أن نقوم بالمهام الأربع‬ ‫التالية:‬

‫•‬ ‫تعزيز الشعوب المضطهدة في تصميمها وعزيمتها وثقتها بنفسها ومهارات المقاومة.‬

‫•‬ ‫تعزيز جماعات ومؤسسات الشعوب المضطهدة الاجتماعية المستقلة (المجتمع المدني).‬

‫•‬ ‫خلق قوة مقاومة داخلية قوية.‬

‫•‬ ‫وضع خطة تحرر إستراتيجية حكيمة واقعية واضحة المعالم , وتنفيذها بمهارة.‬

لقراءة الكتيب كاملا اضغط هنا  

عدد الصفحات (70) .

اترك رد