هل يمر الإصلاح الحكومي بالحكم الإلكتروني؟

م. محمود عنبر( ابيض اسود )

هل يمكن أن تستمر الحكومة بإدارة أعمالها بالطرق التقليدية؟ وهل يعتبر استخدام الأدوات الإلكترونية وسيلة لرفع كفاءة الأعمال الحكومية؟ وهل يعتبر الحكم الإلكتروني e – governance موضوعاً تقنياً؟ أم أنه طريقة لرفع قدرة الجهات الحكومية على القيام بمهامها بالشكل السليم؟
تعريف الحكومة الإلكترونية e- government:
لقد تم تعريف الحكومة الإلكترونية في تقرير صادر عن المفوضية الأوربية بعنوان (أهمية الحكومة الإلكترونية لمستقبل الاتحاد الأوروبي) كما يلي:
(استخدام تقانات المعلومات والاتصالات في الإدارة الحكومية، بالترافق مع تغييرات مؤسساتية واستقدام لخبرات ومهارات إضافية بما يؤدي لتحسين الخدمات العامة وتعزيز الإجراءات الديمقراطية، ويقدم الدعم اللازم للسياسات الحكومية).
استناداً لهذا التعريف، ينظر المختصصون لمبادرة الحكومة الإلكترونية كوسيلة لتمكين الحكومة من تأمين إدارة أكثر كفاءة لمواردها، وبالتالي تمكينها من تنفيذ سياساتها وخططها بكفاءة مرتفعة.
ماهي جدوى مبادرة الحكومة الإلكترونية؟
تتفق العديد من الدراسات على أن مبادرة الحكومة الإلكترونية، والتي تعتبر أداة للحكم الإلكتروني تمتلك المزايا التالية:
1 – رفع جودة المعلومات وتبسيط طرق الوصول إلى المعلومات.
2 – تخفيض كبير في زمن إنجاز المعاملات.
3 – تخفيض كبير في أعباء الحصول على الخدمات الحكومية (للأفراد والشركات).
4 – تخفيض كلفة تقديم الخدمة (تقديم خدمات أكثر بالحفاظ على الاعتمادات والكوادر نفسها أو تخفيضها).
5 – رفع مستوى تقديم الخدمة العامة (خدمة خلال 24 ساعة – خدمة شفافة – خدمة معيارية).
6 – رفع الكفاءة: وجود أدوات لنقل ومعالجة المعلومات تمكن الجهاز الحكومي من التركيز على تحقيق الأهداف، وذلك عبر الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة وبالمرونة المطلوبة
7 – تحقيق رضى الزبون (المواطن): مثل عملية إعادة تعريف الخدمات ليصبح محورها المواطن، تؤدي لشعور المواطن بأن الجهاز الحكومي مهتم بأمره ويعمل لرفاهيته.
الانعكاسات التنموية للحكم الإلكتروني:
بالإضافة للمزايا السابقة، هناك انعكاسات غير مباشرة للحكم الإلكتروني على العملية التنموية وتتمثل في النقاط التالية:

– تعزيز مبدأ الشفافية:
يمكن الحكم الإلكتروني المواطنين من الوصول إلى المعلومات بشكل أسهل، وهذا يؤدي لنشوء علاقة ثقة بين المواطن والحكومة، فاطلاع المواطن على الخطط الحكومية ومدى تحققها، يجعله أكثر رضى عن الأداء الحكومي، وربما أكثر رغبة بالانخراط في دعم هذا العمل، سواء بشكل غير مباشر (عبر الضرائب)، أو بطرق أخرى.
– تحفيز التحول الرقمي للمجتمع:
إن تقديم الحكومة لخدماتها إلكترونياً بسوية مرتفعة، تحفز استخدام تقانات المعلومات والاتصالات من قبل الأفراد والشركات، وربما تساهم في تخفيض نسبة (المهمشين رقمياً) في المجتمع.
– تحفيز الحوار بين الجهاز الحكومي وأفراد المجتمع:
بعد أن يطلع الأفراد على السياسات والخطط الحكومية، يتم استخدام المنتديات والوسائط الإلكترونية لتبادل الحوار والأفكار بين موظفي الحكومة والأفراد ورجال الأعمال، وممثلي الجهات غير الحكومية وغيرهم من القوى الفاعلة في كل من القطاعات التنموية.
– رفع كفاءة السياسات الحكومية:
تلعب أدوات تبادل الأفكار والمعلومات المبينة سابقاً دوراً هاماً في تمكين الحكومة من تحقيق الأهداف المحددة في برامجها، وذلك في المحاور التنموية المختلفة.
– تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد: إن تبسيط الإجراءات الحكومية ورفع كفاءة العمل الحكومي تؤدي لرفع الإنتاجية، كما أنه يؤدي لاستقطاب رؤوس أموال واستثمارات جدية، وإلى تحفيز رواد الأعمال على إنشاء شركات.
لن ندخل أكثر في تفاصيل وجدوى الحكم الإلكتروني وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، إلا أننا نود الإشارة على أن هذا الموضوع أصبح له مؤشرات أدوات قياس ومتابعة.
ماهي معوقات الحكم الإلكتروني محلياً؟
أعتقد أن العقبة الرئيسية أمام تطبيق الحكم الإلكتروني محلياً هي في انتشار مفاهيم مسبقة ومغلوطة حول هذا الموضوع، فلسبب ما اعتبر البعض أن بقاء المعلومة في الوسيط الورقي أكثر أمنا من وضعها على وسيط إلكتروني، ويعتبر أن إخفاء المشكلات أكثر جدوى من طرحها للمعالجة، وغير ذلك من المشكلات الثقافية التي لا تتناسب مع مفاهيم الشفافية التي يتم تداولها مؤخراً. كما أنه هناك رهبة من أن تؤدي هذه العملية لفقدان التحكم بتفاصيل العمل الحكومي، ولتوضيح الفكرة من ذلك سنورد المثال التالي:
لنفرض أن وزارة التربية تقوم (في الوقت الحالي)، بتكليف الموجه بزيارة المدارس، ففي أحسن الأحوال لن يتمكن المفتش من زيارة أكثر من مدرسة يومياً، وربما لن يتمكن من التمحيص في خطط المدرسة وبرامجها، وفي مستوى الطلاب ومستوى التدريس، وغير ذلك. طبعاً هذا الموجه لو طلبت منه أن يمتنع عن القيام بالزيارات فسيعتبر أنك تحاول منعه عن القيام بعمله (في الانطباع الأول)، وسيظن أنك تحاول إضعاف مستوى التعليم، وغير ذلك من التصورات التي قد يفكر بها، ولهذا فهو سيعارض أي مشروع يمنعه من القيام (بالزيارات الميدانية) لأنه ظن لسنوات أن عدد زياراته الميدانية هي دليل على أدائه الجيد والعكس بالعكس. ولو حاولت مناقشة الوزارة بعدم إمكانية عدد الموجهين الحاليين من متابعة عدد المدارس، لربما أتى الجواب بأن الحل هو بزيادة العدد المتوفر منالموجهين (رغم أن الموجهين يقضون معظم أوقاتهم في التنقل على الطرقات).
رغم صعوبة الأمر، لابد من صياغة الأمور بطريقة مختلفة، بحيث تتم إعادة التفكير بأهداف الزيارة، وربما توصيف هذا الموضوع، وبالتالي يتم النظر في دور جديد للموجه بحيث تأتي المعلومات للموجه بدلاً من أن يذهب هو إليها، وبالتالي يتمكن (ربما يومياً) من متابعة الأداء في المدارس المختلفة، وربما مقارنة الأداء بين هذه المدارس، واكتشاف الخلل بسرعة والتمكن من معالجته، وغير ذلك من النقاط التي يجب توضيحها، وعندها أعتقد أن الموجه سيصبح من أكثر مشجعي اعتماد تقانات المعلومات والاتصالات لمساعدته في إنجاز عمله بكفاءة. الأمر نفسه يمكن تعميمه على معظم نشاطات العمل الحكومي، فالجهاز الحكومي يتعامل بالمعلومات أكثر من تعامله مع أي شيء آخر. إلا أننا يجب أن نلاحظ أن بعض المدارس المقصرة (في المثال الأول) لن ترحب بمثل هذا التوجه وستحاول إيجاد الحجج لتجنبه، والأمر نفسه ينطبق على بعض الموظفين الذين سيحاولون استمرار الأمور كما هي.
خلاصة الأمر، فإن الحكم الإلكتروني هو وسيلة الحكومة لإعادة تصحيح هرم الصلاحيات المقلوب ضمن الجهاز الحكومي، وبالتالي إرجاع الصلاحيات إلى حيث يجب أن تكون (الإدارات العليا)، وبالتالي فهو وسيلة لوضع الصلاحيات في المكان الذي طلبت الحكومة أن توضع به أصلاً. وهذا بدوره يجعل من الخطط الحكومية أكثر قدرة على التحقيق.
عقبة الإنترنت:
هناك مفاهيم خاطئة يتم تداولها حول الإنترنت ومدى أهميتها، وأذكر أنني في أحد الاجتماعات قد تحدثت عن ضرورة رفع معدلات انتشار الإنترنت، وقد أجابني أحد المعنيين بأن الإنترنت تستخدم لقضايا هامشية، ولا ضرورة لزيادة هذه المعدلات في الوقت الحالي، ورغم عدم اعتراف مجموعة من متخذي القرار بذلك، فإنني أعتقد أنها تعبر عن قناعات البعض التي لا يمكنه المجاهرة بها، وهنا لابد من التوضيح بأن كل المزايا التي ذكرناها سابقاً تفترض زيادة معادلات الإنترنت ورفع كفاءتها، ومن هنا ربما علينا الهمس في أذن هؤلاء أن عرقلة وتأخير انتشار الإنترنت تحت أي مسمى كان هو عرقلة لجهود التنمية وعرقلة لقدرة الحكومة على تنفيذ خططها وتوجهاتها.
ختاماً:
ربما يجب الإشارة إلى أن جاهزية سوريا لتقديم الخدمات إلكترونياً هي 5 % بينما يبلغ متوسط هذه القيمة 16 % لدول المنطقة، وهذا يعني أن عدم رفع الجاهزية الرقمية هو وسيلة لإضعاف العمل الحكومي (مقارنة مع دول الجوار)، وعرقلة لمسيرة الإصلاح، ولخسارتنا لكافة المزايا التي قد تنشأ عن التحول باتجاه الحكم الإلكتروني.

 

One Comment

اترك رد