بالرغم من أن نشر أخبار الانتحار في الجرائد شيء ممنوع، وبما أن الخبر خاص بانتحاري أنا ، فأتوقع أن تفرح الأوساط الرسمية والجدية جداً ، لانتحارإنسان غير جدّي.

في أحد الأيام كنت مصاباً بمرض الانتحار، حيث كان الانتحار يخطر ببالي دائماً. انتحاري الأول كان هكذا.
قلت لنفسي أيها العاشق اختر نوعاً من أنواع الموت ، بالمسدس ، بالسكين؟
الموت واحد … وحتى يكون الموت مميزاً قررت أن أنتحر بالسم كالملوك القدماء. أخذت سماً مدهشاً. حبست نفسي في الغرفة ، ثم كتبت رسالة طويلةرومانسية قلت في نهايتها : ” الوداع أيتها الدنيا الفانية ، الوداع أيها الزمن الملعون ، الوداع أيها الصدر الأعظم …”
بعد أن قلت هكذا ، شربت كأس السم دفعة واحدة , ثم تمددت على الأرض .وانتظرت ، الآن سيجف دمي وبعد قليل ستشل يديّ ورجليّ ، ولكن لم يحدث شيء لي ، شربت كأساً آخر من السم ، ومرة أخرى لم يحدث شيء ,
و أخيراً علمت أن المواد المغشوشة في هذا البلد ليست الحليب و الزيت والجبن فقط، بل السم مغشوش أيضاً.وهكذا فإن الانسان هنا لا يستطيع الانتحار حتى, كما يريد.

و من جهتي فإني إذا وضعت شيئاً في رأسي فسأعمله بالتأكيد ، وفي هذهالمرة قررت أن أطلق رصاصة على رأسي.
وهكذا وضعت فوهة المسدس على رأسي وإصبعي على الزناد- طق.
حاولت مرة ثانية أيضاً : – طق.
مرة أخرى و أيضاً : – طق.
و لكن ظهر أن هذا النوع من المسدسات أتى من أمريكا على هيئة مساعدات،و بدون قطع تبديل.

و بعد أن عرفت عدم إمكانية الانتحار بالرصاص ، فكرت بالموت بالغاز لأن الموت بهذه الطريقة مضمون تماماً.
من المعلوم و حسب ما أعرف فإن التسمم بالغاز يؤدي إلى موت شاعري.

تحت صنبور الغاز إلى آخر حد ، وكنت قد أغلقت جميع الثقوب في الغرفة،و تمددت على الكنبة ، وأخذت وضعية بحيث يجدوا جثتي وهي في منتهىالجدية ثم بدأت أنتظر عزرائيل
أتى الظهر ثم المساء ولكني لم أمت ؟!

ي المساء دخل صديقي إلى الغرفة.
صرخت : – لا تدخل
– مالأمر؟
– أنا أموت.
– أنت لا تموت ، أنت مجنون.
شرحت لصديق عن المشروع ، ولكنه ضحك :
– حقاً ،إنك غبي جداً ،فهذا الصنبور لا يخرج منه غاز بل هواء.
و بعدها سألني :
– هل تريد أن تنتحر حقاً؟
– طبعاً.
– أرغب في مساعدتك .
وبعد ذلك طلب مني أن أذهب إلى محل السكاكين وأشتري سكيناً مننوع بورصا ، ونصحني بأن أغمد السكين في بطني وأخرج أمعائي بيديكالأبطال اليابانيين. شكرت صديقي لمساعدته، وذهبت مباشرة واشتريت سكين بورصا متينة، في الحقيقة إنه أمر غير جميل أن يمسك الانسان سكيناً و يمزق أمعاءه، لأن الأطباء الذين سيفحصون جثتي في المشفى ، لن يجدوا أي نوع من أنواع الغذاء في أمعائي وهذا بالطبع أمر محرج بالنسبة لي، ولكن فليكن ما يكون، وضعت السكين في جيبي و بينما أنا عائد إلى البيت مسروراً هجم علي شرطيان ، و بدأت أعرفهما عن نفسي:

يا سادة ، توقفوا ، استمعوا إلي للحظة ، أنا أدفع الضريبة بشكل منتظم،
ولا أتكلم أي شيء بحق حكومتنا، رجل شريف مثلي..
و لكنهما قطعا حديثي في منتصفه ، عندما وجدوا السكين في جيبي وصاحا:
– ما هذه ؟
إذاً ، أنا تورطت مع دورية من دوريات قسم مكافحة الجرائم، قلت لنفسي:
– يا ربي ، نتيجة القرارات الصائبة في هذا البلد ، فإننا لا نستطيع أن نعيش ، ولا نتسطيع أن نموت أيضاً؟ هل سنبقى نتعذب دائماً هكذا؟
و لكن صاحب الإرادة والعزم يجب أن يكون مثلي ، فإذا قلت أنني سأموت فهذا يعني أنني سأموت حتماً.

خذت من الدكان حبلاً ثخيناً ، ولوح صابون ، صوبنت الحبل جيداً و ربطته في الحلقة الموجودة في السقف و أدخلت عنقي في عقدة المشنقة الزلاقة كمن يدخل إلى مصلحة الضرائب وأوقعت الكرسي من تحت قدمي ولكني سقطت أرضاً قبل أن أتأرجح مرة واحدة.

لحبال أيضاً كانت تالفة ، وإيجاد حبال سليمة أمر غير ممكن ، قال لي صاحب المحل:

وهل يعقل أن تكون البضاعة سليمة ويبيعونها, لقد فهمت تماماً، أنه لايوجد إمكانية للموت ، و قلت لأعيش إذاً على الأقل . و كما تعلمون ، فالحياة تبدأ من المعدة أولاً و هكذا أكلت بسطرما بالبيض و بعض المعلبات و المحاشي الكاذبة ، و بالإضافة لذلك أكلت المعكرونة وبعد ذلك ذهبت إلى محل حلويات وأكلت 5 ، 6 قطع من المعمول.

و دخل إلى المحل بائع جرائد وبدأ يصرخ:
– 16 صفحة ، إذا لم تقرأها غلف بها.
لم يكن من عادتي قراءة الصحف المؤيدة للحزب الحاكم، قلت : لأقرأها و بينما أقرأ العناوين وجدت نفسي نائماً، شعرت بألم في بطني ، كطعنةالسكين، ولكن كيف … ألم لا يوصف … لم أستطع التحمل أكثر من ذلك
فبدأت أصرخ و أولول ، و بالكاد أخذوني في سيارة الاسعاف إلى المشفى مغمياً عليّ.
لما فتحت عيني وجدت الطبيب فوق رأسي يسألني:
– أنت مصاب بالتسمم ، لا يخفى شيء على الطبيب ، هل انتحرت؟
– أين تلك الأيام السعيدة يا دكتور ؟ أين هي؟
– أنا أقول أنك مصاب بالتسمم ، ماذا أكلت؟
– بسطرما.
صرخ الطبيب:
– ماذا ؟ هل أكلت بسطرما؟ أنت مجنون؟ و هل تؤكل البسطرما؟ ألم تقرأ الجرائد؟
إنها مليئة بأخبار المتسممين من البسطرما… ولكن هذا لا يشبه تسمم البسطرما،
ماذا أكلت غير ذلك؟
– ذهبت إلى المطعم.
– أنت مخبول.
– في المطعم أكلت معلبات.
– هكذا إذاً؟ و ماذا أكلت بعد؟
– معكرونة ومعمول…
– طبعاً سوف تتسمم . معلبات، معكرونة ،معمول!.. و ماذا أيضاً؟
– و الله لم آكل شيئاً آخر ، بينما كنت أقرأ الجريدة المؤيدة للحكومة …
صرخ الطبيب:
– ماذا؟ توجه بالدعاء إلى الله لأنك لم تمت , لقد مرت هذه المشكلة ببساطة هذه المرة.
عندما خرجت من المشفى كنت أفكر : طيب نحن ماذا سنفعل ، لا يتركوننا نموت ولا يتركوننا نعيش… ولكن بإمكاننا أن نزحف بكل سهولة إلى القبر.

لا توجد أراء حول “ذنب الكلب ( كيف انتحرت) – عزيز نيسين –”

اترك رد