تبدأ قصتي مع الحمير منذ فترة ليست ببعيدة منذ أرسل لي أحد الاصدقاء الظرفاء كتابا” هدية” لي مع إحدى شركات النقل. وكان قد تعمد إرساله بدون مغلف . وعندما سألت الموظف عن الكتاب قال لي: هل أنت وائل ؟ قلت : نعم . فعاد وكرر السؤال مع طلب الهوية. وأخرجت الهوية وأبرزتها له. فرمقني بنظرة غريبة ولم افهم الموضوع حتى الآن

. ثم سألني : هل أنت متأكد انك وائل ؟ قلت له والله العظيم يا أخي وهذه هويتي بعدين شو الموضوع؟ فلم ينبس ببنت شفة . وأخرج الكتاب وقام بإبرازه لي في الهواء عن بعد. والعنوان العريض للكتاب كان( خصيصا للحمير). وقتها تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعني خصوصا” مع تواجد جمع غفير من المراجعين للشركة وفهمت سبب تركيزه على السؤال. ولعنت الساعة التي أرسل لي صديقي فيها هذا الكتاب. وفهمت بذكائي الخارق لماذا أصر على إرساله بدون مغلف .
طبعا هذا العنوان هو للكاتب التركي الساخر الشهير عزيز نيسين وبما أن الحديث جرنا إلى عزيز نيسين فهذه دعوة صادقة مني لكل عشاق القراءة كي يقرؤوا لعزيز نيسين
المهم وبما أن الحديث يدور عن الحمير فإن ذاكرتي تدفعني نحو عام 1984 يعني منذ 21 عاماوتحديدا” إلى مدينة الرقة. حيث كنا موجودين هناك لحضور مهرجان طلائع البعث. وكنت أنا من رواد الطلائع في العزف على الأوكورديون في تلك الفترة .وتشاء الصدف أن يطلبوا كل العازفين التوجه إلى المركز الثقافي في الرقة . وهناك رأيت للمرة الأولى وبشكل شخصي مدام ماريا ديب على المسرح تقدم برنامج ما يطلبه الجمهور. وقلت في نفسي (هذه هي فرصتك يا ولد نحو العالمية وتكسير رؤوس كل حسادك و أعداءك) وساقتني مخيلتي – التي أحبها كثيرا- إلى مشهد تصفيق حار من الجمهور مع قبلة إعجاب من ماريا ديب , وفرحة أهلي الكبيرة بي عندما سيشاهدون ابنهم المعجزة يحصد تصفيق الجمهور, وماريا ديب والمخرج وحبيبتي في ذلك الوقت (بنت الجيران ) كل هذه الخواطر كنت أعيشها خلال نصف ساعة تقريبا حتى أنني كنت أطأطئ رأسي خجلا من إعجاب الجمهور وكأن التصوير حصل فعلا وانتهى الأمر.

وإذا ينادي مناد وهو السيد اليازجي مقدم برنامج مجلةالثقافة في تلك الفترة
وقال لي : أنت يا ولد اللي حامل الأوكورديون تعا لهون لشوف ……
كدت أتجمد من الخوف من شدة ذعري ووقفت من حلاوة الروح ,وتقدمت إليه وقدمت التحية وقلت له بصوت عالي وأنا مرفوع الرأس ومغمض العينين وكلني أرتجف : الرفيق الطليعي وائل العبد الله الأول على مستوى مدينة حمص في العزف على آلة الأوكورديون . طبعا أحسست أن الجملة استمرت دهرا” من فرط الخوف والارتباك. فقال لي مقاطعا” للكلمة الأخيرة التي خرجت ممطوطة وبهدوء : خلصني تعا لهون أنت بتعرف تعزف النشيد السوري ؟ وكان ذلك بديهيا بالنسبة لي فقلت له طبعا قال : يالله طلاع لفوق لعند مدام ماريا وعزفو وخلينا يا مدام ماريا نختم فيه
طبعا كانت رحلة العذاب نحو مدام ماريا التي سلطت عليها أضواء الكاميرات فوق المسرح تشبه رحلة جلجامش نحو العالم السفلي .
المهم وصلت قافلتي إلى المسرح بعد جهد جهيد وتعثرت 16 مرة و كررت نفس الاسطوانة القديمة وبنفس الأسلوب أمام مدام ماريا : الرفيق الطليعي كركر تاتا لكلك نيني لخلخ بابا
ولم تقاطعني مدام ماريا بل قالت لي وهي تمد المايك تجاهي وكأنه أداة تعذيب من القرون الوسطى حتى أنني كدت أنهار ويغمى علي من شدة الخوف والرهبة . فقالت لي : شو بدك تسمعنا حبيبي ؟؟؟
وكنت في وسط أحلام اليقظة قبل قليل كنت قد قررت في قرارة نفسي أن اعزف أغنية كان الزمان وكان لفيروز وقلت بكل ثقة وبكل شراسة و( كان الزمان وكان لفيروز ) قالت لي وهي مندهشة برافو حبيبي يالله سمعنا لشوف
وانطلقت وأنا اعزف كان الزمان لفيروز ولم ألحظ من خلفي قدوم اليازجي كالغضنفر وأناأعزف وكأنني بيتهوفن مغمض العينين. فقام بحملي من نقرتي ممسكا بياقتي وقال لي بصوت عالي أمام الحضور من زملائي الطليعيين والطليعيات والمشرفين والمشرفات : يا حمار أنا ما قلتلك النشيد السوري يا حمار ؟ يخرب بيت قلبك شو حمار انزيل ولك ركض لشوف بسرعة ولا .
ورماني في الهواء. ورما معي كل أحلامي بحصد المفاجئات والإعجاب . وتحولت من موسيقي عظيم إلى ممسحة ونزلت وأنا رافع الرأس وكأنني حققت النصر المطلوب وعندها صرخ لزميلي الأول على مدينة الرقة ليعزف بدلا مني .
هنا خرجت من مكنوناتي كل علاقاتي التاريخية مع الحمير ووقفت تحت المسرح وانتظرت حتى بدأ زميلي بالعزف وانطلقت معه ولكن بمعزوفة فيروز كان الزمان وكان . وركض اليازجي إلي مع شلة من شباب الإنتاج الأشاوس وهم يصرخون بس يا حمار بس يا حمار بس يا حمار …….
ومن يومها والعلاقة بيني وبين الحمير مميزة وفهمت اليوم بعد كل هذه السنين سبب تناحة الحمير ورفضها أحيانا للأوامر وحرنها في الشوارع .. إنها مسالة تتعلق بأحلام اليقظة وحصد الإعجاب فلا تلومن حمارا” على أحلامه فحتى الحمير تحلم ………………
عن موقع
http://www.soria4all.com

فكرة واحدة بخصوص “خصيصا للحمير ..”

اترك رد