خربشات عن الدكتاتورية والثورة ونظرية التقدم .. مع عبد الله القصيمي.

القطيع :

ليس الواقف في صف الثوار الا انسانا لم يجد مكانا ملائما في الصف المقاوم للثورة, وليس الواقف في الصف المقاوم للثورة الا انسانا لم يجد مكانه الملائم في الصف الثائر,

==

ان قوما يرتبطون بمذهب او نظام او عهد فيدافعون عن جميع ما فيه ,يدافعون عن كل جنونه واخطائه ويلعقون كل حمافاته ونزواته بغبطة ,وان اخرين يقفون نفس الموقف بنفس الحماس والاصرار من مذهب او نظام او عهد آخر .ان هؤلاء وهؤلاء ليسوا احرارا , انهم عملاء , يرتبطون بالشيء , او نقيضه تحت الظروف او المصلحه او الهوى او الحساب الدقيق او الحساب الخاطىء.

==

ان من يهجو طاغية وهو راكع تحت اقدام طاغية آخر لهو مادح للطغيان باسلوبين! قد يكون نقد الفساد في قوم انما يدفع الفساد في قوم آخرين ,قد يكون الهجاء مدحا,قد نمدح قاتلا او شريرا بهجاء منافسيه. قد تذهب تقاوم او تلعن عدوا للحرية وانت مجند تحت اعتى علم للعبودية

قد تحسب نفسك انك قد اصبحت حرا. اصبحت من كبار الاحرار, قد تنام حينئذ على بساط واسع مريح من الرضا بالنفس ,قد يكون تحطيمك لصنم ما تشييدا لصنم اعظم, قد يكون هذا هو قصدك , قد يكون البشر كلهم مثلك, لا يحطمون كل الاصنام,وانما يتوزعون, يتنقلون بين اصناف الاصنام بلا حرية ولا كرامة !

 هل الثورة ضرورة حتمية للتقدم ؟!

ام ان مجرد الثورة-اية ثورة- ضد النظام الموجود سواءا كان جمهوريا او ملكيا او امبراطوريا ام اماميا يحقق النتيجه؟! اذن ما ارخص التقدم والابداع والعبقرية!وحينئذ فأول  الواجبات على كل مجتمع ان يشيد المعاهد لتعليم فن الثورات العسكرية وتغيير نظام الحكم. ومعنى هذا ان  تتحول الثورات الى اساليب من اساليب العبادة تتكرر في اليوم والاسبوع والسنهوان تكون اكثر الشعوب ثورات هي اكثرها رقيا!

ام ان التقدم والتاخر , وكذا الفساد والاستقامة يوجدان في كل نظام, لقد تطورت وعظمت بلاد كثيرة بلا تغيير لنظام الحكم فيها وبلا ثورات عسكرية, وقد تغير نظام الحكم في بلاد اخرى وتعاقبت فيها الثورات بدون ان تعظم او تتطور.

لقد حدثت ثورة في بلد فأعقبها تقدم , وحدثت ثورة في بلد آخر فلم يعقبها تقدم , وحدث تقدم في بلاد اخرى بلا ثورة,

ولم تحدث  ا ثورة ولا تقدم غير عادي في بلاد كثيرة, ان آل عثمان لو ظلو ا حتى اليوم يحكمون تركيا كملوك او خلفاء اما تغيرت الصورة فيها .((كتب القصيمي كتابه في عام 1963 ))

اذن فحدوث التقدم ليس مرتبطا بالثورة حتى ولو حدث بعدها , بل ان اكثر البلدان ثورات هي ابطؤها تقدما, كما ان اكثرها تقدما  هي اقلها ثورات او لا ثورات فيها . واذن فالثورات لا تعني شيئا وانما هي اسلوب من اساليب الوصول للحكم بوسيلة عنيفه , او هي شعار لمرحلة جديدة. قد تكون الثورة نتيجة للتطور الاجتماعي اوالحضاري او الفكري, غير انها لا تكون سببا له ,

والثورة لا تحدث لانها وسيلة للتقدم او شرط فيه بل تحدث كما تحدث الاشياء السخيفة مثل الحزن والعداوة والسباب والحسد وامثاله . تحدث بالانفعال لا بالفكره !!

ان التغيير للاحسن يرتبط بالعامل البشري وبالظروف والتحديات الداخلية والخارجية وباسلوب الاستجابة لها .وهذه توجد بالثورة وبدون ثورة .

وكما انه قد يجيء بعد الثورة رجال تقدميون ومصلحون واقوياء فكذلك قد يجيئون بلا ثورة, وكما انه قد يوجد طغاة ولصوص ورجعيون بلا ثورة فقد يوجد امثال هؤلاء بعد الثورة .

======

الدكتاتور ؟

لا يستطيع ان يكون غير متناقض , يمدح الشيء ويذمه , يذم الشىء ويفاخر بفعله, يتنقل بين المتناقضات في مهرجانات من الدعاية والاعلان , يعبد الشيطان ويلعنه , يمتدح الملاك ويصلبه , يكتب الدستور ويطلق الرصاص على من ينادون به ,يدعو الى الحرية ويعاقب من يصدقونه, يمجد الكرامه ويسحبها من السوق , يقدس اسم الشعب و يحتقر ارادة الشعب , يفعل جميع الاخطاء ويضع مكبرات الصوت في الطرقات للثناء على اخطائه , فاذا فعل خصومه واحدة منها ارسل عليهم كلابه , لا يحترم عقل الجماهير ولا يخش ذكائها, لا يؤمن بالمنطق ولا الشرف بل بالدعاية ,الدعاية عنده سلاح رهيب, يرصد له كل شيئ ويعتمد عليه لسحق جميع الاعداء.الدعاية في تقديره مجموعة شريرة من الاكاذيب والاشاعات والصياح والتكرار والاصرار والاغتيال والرشوة والمؤتمرات !!

 واما القطيع في حضرة الدكتاتور ..

والمجتمعات في الغالب تؤمن بالذين يعلمونها الكذب والغواية والبغض والجنون لا بمن يعلمونها الحب والحقيقية والصداقة والعقل, والاكاذيب اقوى سحرا من الحقائق ,والمهرجون الصارخون يعطون الجماعات الفرصة لكي تريح آلامها واعصابها وحرمانها اعظم مما يعطيها العقلاء المتوقرون ,ما اسخف الاتزان حيث يطلب الجنون , وما أخطر الاتزان في مخاطبة الجماهير وقيادتها , ان الاعتدال آخر ما تطلبه السوق .

ادوات الدكتاتور..

التخويف هو المعنى الكبير للدعاية في الانظمة الدكتاتورية , وغريزة الخوف هي اقوى غريزة تستثير الجماعات وتستهلك احاسيسها, الخوف في الجماهير اقوى وافعل من الحب والعقل والقانون ومن كل شيء, وعن الخوف يتولد الحقد. والخوف والحقد هما اعظم قوة حركت التاريخ, ودفعت بالجماعات الى التخلي عن جميع الفضائل انسانية لتفعل أشر ضروب الهوس والظلم والوحشية تحت اقدام  اعظم واقسى  المجانين والفاتحين في التاريخ.

النظام الدكتاتوري يلقي بثقل دعايته كله على مخاوف جماهيره واحقادها فليملؤها بالاعداء المتربصين وبمؤامراتهم وخياناتهم التي لا تنتهي, ويضيق عليها الجو بالاشباح والابالسه, ويظل يحدثها بأعلى الضجيج عن اخطار هذه الاشباح والابالسه , وعن الخطط الكبيرة التي  توضع في الظلام لاغتصاب الحياة والسعادة من الجماهير, وللقضاء على منقذها العظيم , وعن الاستعدادات المقابله التي يحكم وضعها لتحقيق الانتصارات التي لا رب فيها , الخائفون لا يستطيعون ان يتدبروا الامور ولا ان يبصروا ماالطريق الذي يساقون فيه , وحينئذ لا يحتمل  ان يقاوموا او يعارضوا او يفهموا , ما اسهل انقياد الخائف, وما اضعف بصره عن رؤية ما امامه , ولعل اكثر مخاوف البشر التاريخية , انما صنعها هؤلاء الذين ابتكروا الخوف من الجحيم والشيطان والآلهة زاعظم افعالنا منبثق عن أحقر مشاعرنا ؟!

الدكتاتور الديمقراطي التقدمي..

الدكتاتور لا يطيق المعارضة , والمعارضون في حكمه خونه اعداء لصوص فاسدون متآمرون أشرار , ليس لهم الا ان يموتوا كما تموت الكلاب المريضة. كل من لا يعبده ولا يؤمن بعصمته فهو زنديق ,هو لا يطيق النقد والتفكير, والذين ينقدون ويفكرون لا بد ان يكونوا عملاء للاعداء , ولا بد ان يكونوا من بقايا الظلام البعيد.

التفكير والنقد كقر بالقومية وخيانه عقلية, وتفتيت للقوى وتردد يجب ان يقضى عليه بلا شفقة!

ولماذا التفكير والنقد؟ ان الزعامه المطلقة قد اغنت عن كل ذلك بموهبتها والهامها الذي لايخطىء.

 الحاجة الى الهتاف والتصفيق اعظم جدا من الحاجة الى النقد والتفكير , فالدكتاتورية صلوات لا معرفه , ايمان لا تفكير, هتاف لا اتزان .

والذكاء. لماذا الذكاء؟ انه لعنه انسانية لانه يضعف الايمان ويضعف الرغبة في الاتباع . الذكاء هو دائما عدو الزعامة اللدود – هو دائما زندقه وطنية !!!!

يروع الناس احيانا من الدكتاتور انه لا يسرق اموال ليحولها الى اسمه… ولكن ليست السرقة هي فقط ان تحول اموال الاخرين الى حسابك ، ذلك هو اصغر السرقات في المجتمع . إن اقبح السرقات واكبرها ان توجهه كل جهود الدولة وكل اموالها الى بنوك الدعاية لك ، والى الوجوه التى تثبت مركزك وتعطيك القوة … وما حاجة الذين يملكون حرية التصرف المطلقة الى السرقة ؟

 ان السرقة نوع عن العجز والتحديد , فالعاجزون والمحتاجون يسرقون , اما القادرون على كل شيء فلا يسرقون, قد يكون الترفع عن سرقة المال ضربا من التاله , فالاله لا يتواضع ليملك مالا,

 الحاكم الفاسد يسرق . اما الحاكم الاله فهو فوق السرقة لان السرقة تحديد ، وهو مطلق . وابشع ما في الدكتاتور انه اعتداء على الرجولة .. يحول المجتمع الى قطعان من الخصيان الفاقدين للفحولة العقلية والاخلاقية… ”

عندما ينتقد نفسه ويتحدث عن الاخطاء

ان اعلى مراحل الطغيان للدكتاتور… ان يصل الى المرحلة التي يجرؤ فيها على ان يعلن فيها نقده لنفسه .واعلان الدكتاتور نقده لنفسه نوع منكر من الكبرياء والتاله… وهو الصورة النهائية للفراغ من عملية الاذلال للمجتمع وسلبه كل انواع المقاومة واحترام النفس والدكتاتور حينما يعلن نقده لنفسه كأنه يريد ان يقول للمجتمع : انت لست اهلا لشيء لا للنقد ولا لغيره , لانك اقل واضعف واجهل من ان تعرف ما يجب نقده في زعيمك أو تجرؤ عليه . وانا – الزعيم الله فاضل وعادل وشجاع وحر الى  المدى الذي يجعلني انا الشيء وانا الثائر على الشيء – انا الوجه , وانا المرآة, – انا الله وانا المصلح للاله !!

ان نقد الطاغية لنفسه اسلوب لئيم من اساليب التاله والوقاحه والتضليل , هو ضرب من التحدي لاخلاق المجتمع ورجولته وذكائه,ضرب من الحديث عن الملابس الداخلية تعبيرا عن الرغبة في الاثارة والتحقير والاستهزاء , لا عن الرغبة في التطهر او العلاج او التوبه او الصدق! وليس اعلان النقد للذات في كل حالاته الا محاولة للثناء على الذات ..

لتحميل كتاب العالم ليس عقلا اضغط هنا .

اترك رد