التطوير العمراني والفضاء السيبراني

الكـاتب:م. محمود عنبر

 

هل سيتأخر قانون الفضاء السيبراني كما تأخرت قوانين التطوير العمراني؟ وهل سنعاني من العشوائية المعلوماتية؟ كما عانينا من عشوائية التجمعات السكنية؟ وهل سنبادر لإصدار التشريعات المتعلقة بالفضاء السيبراني؟ أم سيتم اعتماد أسلوب انتظار استفحال الأزمة أيضاً؟

 

نشاطات تنمية العمران:

 

تحتاج عملية تنمية المواقع السكنية لمعالجة مجموعة من النشاطات الهامة، مثل: تنظيم الأراضي- تهيئة وإدارة البنية التحتية للأراضي – تنظيم وتصميم المناطق العمرانية – بناء المناطق العمرانية – إدارة عملية تخصيص المواطنين بمساكن – تنظيم وإدارة تبادل المساكن بين المواطنين – تأمين وإدارة الخدمات والمرافق – تنظيم وإدارة الفعاليات الاقتصادية والتعليمية والصحية والأمنية اللازمة لكل تجمع سكني، وغير ذلك من النقاط التي كان لابد منها لتأمين تطور منظم للمناطق العمرانية. طبعاً لا تقتصر النشاطات على ما تم ذكره، إلا أن معظم النشاطات قد تطورت تدريجياً عبر مئات السنين مما جعل من التشريعات تواكب تدريجياً الحاجات، وبالتالي أصبح موضوع وجود تشريعات متعلقة بهذه المواضيع أمراً بديهياً للمواطنين ولمتخذي القرار.
آثار ضعف التشريعات:
بالرغم من وجود التشريعات المتعلقة بالقضايا التقليدية، إلا أن مجرد وجود خلل في هذه التشريعات يؤدي لمشكلات قد تحتاج معالجتها سنوات وسنوات، فعلى سبيل المثال، كان تأخير قانون التطوير العمراني سبباً لبناء تجمعات عشوائية، وهذه نجم عنها عمليات بيع وشراء واسعة (خارج إطار النظام الإداري)، وتم تقديم الخدمات لهذه التجمعات بسوية متردية، وفي مرحلة لاحقة أدى تردي هذه الخدمات إلى آثار اجتماعية واقتصادية وغيرها من الآثار التي انعكست سلباً على مجمل عملية التنمية، وبالتالي فإن عدم صدور التشريعات في الوقت المناسب، يؤدي لآثار متراكمة ككرة الثلج التي تكبر تدريجياً، بحيث يصبح من المستحيل إيقافها، وبالتالي تخلق وقائع على الأرض أصعب من أن تعالج.
خصوصية التشريع السيبراني:
المشكلة في التشريع في المجال السيبراني تبدو أكثر تعقيداً، فالفضاء السيبراني (والمتمثل في كل ما يتعلق بتقانات المعلومات والاتصالات من مخدمات وأجهزة حاسبات وشبكات إنترنت وشبكات إنترانت، وأجهزة اتصال لاسلكية، وطرفيات متعددة الخدمات كأجهزة الصراف الآلي وأجهزة الفاكس والهاتف والتلفاز)، قد نما بشكل سريع جداً، وتحول خلال فترة محدودة جداً إلى محرك رئيس للاقتصاد العالمي، وفرض واقعاً ضاغطاً على الدول المتقدمة والنامية، وبينما تمكنت الدول المتقدمة من اللحاق بهذا الركب، وربما صياغة توجهاته، فقد كان هذا الواقع بالنسبة للدول النامية عقبة تنموية إضافية، فهذه الدول مازالت تعاني من مشكلات في مجالات تأمين المياه والغذاء والدواء والتعليم والصحة والسكن، وبالتالي ليس لديها الموارد أو الخبرات أو حتى تلمس للحاجة لمثل هذا الموضوع، وذلك رغم أنها تعلم أن هذا الواقع السيبراني يتشكل بعيداً عنها، وتشعر بالقلق من أنها معزولة عن هذا الواقع، وتتأثر فقط بهذا الواقع تحت ضغط ذوبان الحدود (رقمياً)، والاتفاقات الدولية (ذات الصلة)، والتي أصبحت واقعاً لا يمكن تجنبه، والتي تعتبر التزامات إضافية (وحيدة الاتجاه).

 

لقاء الإسكوا حول نماذج التشريع السيبراني:
لقد طرح اللقاء الذي عقد الأسبوع الماضي في عمان، والذي نظمته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) مبادرة لوضع نماذج حول التشريع السيبراني، وقد تم الانطلاق من دراسة (تم إنجازها) للوضع الحالي تضمنت مسحاً للقوانين التي صدرت في دول المنطقة، والمتعلقة بالتشريع السيبراني، كما قدمت الدراسة مسحاً لبعض النماذج التي تم تطويرها عالمياً، والتي يمكن الاستناد إليها عند تطوير التشريعات المحلية، وقد تم عرض الدراسة المتعلقة بهذا الموضوع كجزء من مبادرة يعمل عليها فريق عمل الإسكوا (الدكتور يوسف نصير والدكتورة نبال إدلبي)، وتهدف هذه المبادرة لإيجاد قاعدة مشتركة للتشريع السيبراني بين دول المنطقة تشكل أساساً لمساعدة الدول التي تأخرت في هذا المجال، وآلية لضمان انسجام التشريعات بين هذه الدول، ولاستكمال هذه التشريعات في دول المنطقة،وذلك مما يشجع عملية التعاون والتبادل الإلكتروني بين دول المنطقة، ويحفز عملية إنتاج المعلومات في دول المنطقة، وهذا بدوره يساهم في ردم الفجوة الرقمية، ويخفف من التهميش الذي تعاني منه هذه الدول في مجال الفضاء السيبراني (وخاصة الشق المتعلق بإنتاج المعلومات، وباستخدام المعلومات في التنمية الاقتصادية).

 

المحاور الرئيسية للتشريع السيبراني:
لن ندخل في تفاصيل المحاضرات التي تم تقديمها، والتي حاولت عرض تجارب كل من دول المنطقة في مجال التشريع السيبراني، ولكن الانطباع الرئيس كان وجود تفاوت بين مدى نضج النظام التشريعي في الدول المختلفة فيما يتعلق بالتشريع السيبراني، ووجود ضعف عام لدى دول المنطقة فيما يتعلق بالآليات التنفيذية من جهة، وفي بعض المجالات التشريعية أيضاً، مما جعل من فعالية التشريعات التي تم إنجازها محدوداً، وبالتالي أعتقد أن الانطباع الأهم الذي يتشكل لديك من هذا الاجتماع هو ضرورة النظر في مختلف محاور التشريع السيبراني، ومحاولة وضع هذه التشريعات قيد التنفيذ، وبالتالي تطوير هذه التشريعات دورياً بما ينسجم مع الواقع التنفيذي، وللتجارب التي تكتسبها كل دولة، ونبين فيما يلي سرداً لمحاور التشريع السيبراني التي تم عرض نماذج لها:
حماية البيانات الشخصية.
حرية وسرية المعلومات في الاتصالات الإلكترونية.حماية حقوق الملكية الفكرية والصناعية.
التجارة الإلكترونية.
المعاملات الإلكترونية.
جرائم الفضاء التخيلي (السيبراني).

 

سوريا والتشريع السيبراني:
قد لا تختلف سوريا كثيراً عن دول المنطقة فيما يتعلق بالتشريعات السيبرانية، فحتى الآن ليس لدينا سوى مشاريع قوانين (معظمها أصبح بحاجة للتجديد)، وبالنسبة لبعض القوانين التي صدرت لا تغطي تماماً ما هو مطلوب، كما أن القوانين الأكثر أهمية لم يتم النقاش حولها حتى الآن. إلا أن المشكلة الأهم هي في التداخل بين عمل الجهات الحكومية فيما يتعلق بمشاريع القوانين، فقانون حماية حقوق المؤلف هو موضوع متداخل بين وزارتي الثقافة والاتصالات والتقانة، وإن أضفنا الشق المتعلق بالملكية الصناعية تدخل كل من وزارتي الصناعة والاقتصاد والتجارة على الخط. أما موضوع التجارة الإلكترونية، فهو موضوع مشترك بين وزارة الاتصالات والتقانة والاقتصاد والتجارة (حتى الآن)، وربما ينضم لاحقاً ممثلون عن وزارة المالية ومصرف سوريا المركزي عندما يتم تشميل موضوع الدفع الإلكتروني، وستنضم وزارة العدل عند معالجة التوقيع الإلكتروني والتحكيم الإلكتروني، وهكذا.
هذا التداخل في الأدوار يؤدي لتعارض في المصالح والتوجهات بين الجهات المختلفة عند تحديد الهياكل الخاصة بآليات التنفيذ، وبالتالي تقف مشاريع القوانين لسنوات أو تصدر عاجزة عن القيام بدورها، وأعتقد أن هذه الآلية في العمل كانت سبباً في تأخرنا (حتى على الصعيد الإقليمي)، وبالتالي نقترح أن يتم اللجوء لآلية بديلة بشكل كامل ترتكز على النقاط التالية:
توصيف مشروع لإعداد مسودة لقوانين الفضاء السيبراني (الحزمة الكاملة).
تكليف وزارة الاتصالات والتقانة بإعداد دفتر الشروط الخاص بالمشروع المطلوب.
يتم تعهيد عملية وضع المسودة إلى أحد المكاتب القانونية الاستشارية (يجب أن نتوقف عن عملية تكليف لجان تحوي موظفين لإعداد مسودات مشاريع القوانين، أو في أحسن الأحوال محامين متخصصين في متابعة القضايا الحكومية، فعملية التشريع هي أمر غاية في الدقة والخصوصية) تشكيل لجنة توجيهية للمشروع من الوزارات المعنية، ومن الجمعيات والنقابات المعنية، وتجتمع دورياً لمتابعة تطور المشروع.
إصدار توجيه بوضع الآليات والهياكل التنفيذية بشكل مستقل عن الهياكل الإدارية الحالية، وذلك للتخلص من حالات التضارب التي قد تحصل، ويفضل اعتماد أسلوب الهيئات المستقلة، وربما ذاتية التمويل، علماً بأنه من الممكن تكليف بعض المديريات بالقيام بهذه المهام بشكل مؤقت.
بعد استكمال تحضير المسودة تأخذ القوانين طريقها القانوني للتدقيق (من حيث الشكل) والإقرار.
وفي هذا الإطار ربما يجب التنويه إلى أن عدداً من دول المنطقة قد أصبح لديها لجان معلوماتية في الهيئات التشريعية، وذلك كون هذا النوع من مشاريع القوانين لا يمكن أن تتم مناقشته بالطرق التقليدية.

 

وختاماً ربما تجدر الإشارة إلى أن التأخير في إصدار القوانين المتعلقة بالفضاء السيبراني، وتعليماتها وآلياتها التنفيذية تؤدي لارتكاب العديد من الجرائم السيبرانية دون أن يعلم مرتكبوها مدى خطورتها، وتتراوح هذه الجرائم من حالات تشويه بعض الملفات (مثل التشويه الذي تتعرض له المقابلات التلفزيونية التي تتم مع المواطنين)، ووصولاً إلى حالات الجرائم التي تم تداولها مؤخراً حول خلافات متعلقة بالدراما التلفزيونية، أو الخلافات التي بدأت تطفو على السطح بين الجهات الحكومية المختلفة، والمتعلقة بالحد الفاصل مابين تشارك المعلومات أو عدم تشاركها، وآليات الحفظ والمشاركة، وأعتقد أن المشكلة الأخيرة هي بمثابة قنبلة موقوتة، قد تنفجر في يوم ما إن لم يتم تداركها في الوقت المناسب.

 

http://www.awaonline.net/index.php?action=show&type=news&id=2422

 

Powered by ScribeFire.

One Comment

اترك رد