الإنحطاط المعلوماتي في سوريا

الكـاتب:

 م. محمود عنبر  

  ابيض اسود

لماذا تراوح سوريا في مكانها، بينما تتسابق دول العالم قاطبة في الولوج إلى عصر المعرفة؟ وما هي الأخطاء التي تم ارتكابها في سوريا في السنوات الماضية؟ وهل تجاوزنا مرحلة التردي إلى أن وصلنا إلى مرحلة الانحطاط؟ وهل مازال أمامنا فرصة ما؟ أم أن الركب الرقمي قد فاتنا؟

سوريا على الخارطة الرقمية:
كما تقاس الدول بقوتها العسكرية والاقتصادية والصناعية والزراعية والثقافية والأدبية، فالمقياس الرقمي هو أحد المقاييس الهامة التي تحدد موقع هذه الدولة على الخارطة الرقمية، وبالتالي تبين فيما إذا كانت هذه الدولة لديها (أو تسعى لأن يكون لديها) مكان تحت الشمس في القرن الحالي، والذي يعتبر عصر المعرفة، وذلك بإجماع عالمي (شبه كامل).
لقد طالبنا منذ أكثر من سنتين بأن يصدر تقرير سنوي يبين الموقع الرقمي لسوريا، وسواء تم ذلك وفقاً للمؤشرات المتعارف عليها في المنظمات الدولية، أو وفق مؤشرات خاصة بنا، فإن هذا المقترح لم يلق آذاناً صاغية، وذلك بسبب رغبة البعض في استخدام بعض الأرقام بشكل غير مناسب، وذلك رغبة في إخفاء المشكلات الكبيرة التي نعاني منها، فبينما يمكن للبعض اعتبار أن مدى انتشار الهاتف الخليوي في سوريا هو أمر إيجابي، ينسى أو يتناسى أن انتشار الهاتف الخليوي هو جزء من رزمة متكاملة تتعلق بأسعار هذه الخدمة (من جهة)، وبمدى إتاحة استخدامه في قضايا أهم من التصويت للأغاني، أو شراء الرنات، وهذا كله غير متاح في سوريا، مما جعل من انتشار الخليوي رقماً لا يعبر إلا عن مدى ربح الشركات المشغلة (والحكومة)، واستفادتهم من حاجة المواطنين لهذه الخدمة، وبالتالي انعكاس هذا الرقم على مؤشرات التضخم المحلية (حجم الضريبة التي يدفعها الفقراء للأغنياء)، ولا يساهم (بشكل أو بآخر) في تطوير أي من المجالات التي يمكن لمثل هذه الأنظمة أن تقدمها، وبالتالي يفقد هذا الرقم قيمته محلياً..
سوريا: الأضعف في مجال الإنترنت:
كما يبين الشكل المرفق، فإن سوريا هي الأضعف من بين الدول المحيطة بها في عدد اشتراكات الإنترنت (لكل 100 مواطن)، وربما علينا أن نسأل عن السبب، فإن كنا لن نتمكن من المقارنة مع الدول المحيطة بنا (رغم ضعف هذه الدول في هذا المجال)، ومعظمها يتمتع بموارد أقل مما لدينا (مقارنة بعدد السكان)، فمع من سنقارن أنفسنا؟ وإن سمحنا لأنفسنا باستكمال المقارنة، فسنجد أن الدول المجاورة في مجال الإنترنت السريع (بالحزمة العريضة) قد سبقتنا بأشواط، ولو سمحنا لأنفسنا أن نتابع عملية المقارنة، لنرى ما هو ترتيبنا في مجال مؤشرات تقانات المعلومات والاتصالات (حسب التقرير الصادر عن الأمم المتحدة – في عام 2005)، فسنرى أننا قد جئنا في المرتبة 104، وحصلنا على درجة الصفر في مجال السياسات المتعلقة بتنظيم القطاع، ولهذا فأعتقد أن التقرير القادم سيشهد تراجعاً أكبر في تقييمنا (إن استمرت الأمور على ماهي عليه)، وخاصة ما يتعلق بتنظيم وتحرير قطاع الاتصالات.

هل السبب ترهل اللاعبين؟
بعد أن قمنا بعرض بعض الأرقام التي تبين حجم المشكلة، يبرز السؤال التالي: من هي الجهات التي كان عليها أن تلعب دوراً إيجابياً ولم تقم بما عليها؟ ورغم أني لا أميل لفكرة تحميل المسؤوليات، إلا أن ترك الأمور كما هي لم يعد يجدي نفعاً، فمن المعلوم أن معظم السياسات مازالت مركزية، ومعظم القرارات مازالت بيد جهات محددة، وبالتالي، وطالما أن هذا القطاع لم يخضع لعملية تحرير جدية (أو تنظيم على الأقل)، فالجهات التي أخرت هذه العملية تتحمل المسؤولية الأكبر، وسنورد فيما يلي وجهة نظرنا حول بعض أهم العثرات التي حصلت خلال السنوات الماضية، والتي كانت سبباً في وصولنا إلى الوضع الحالي، وسنحاول التطرق إلى دور أهم اللاعبين في قطاع تقانات المعلومات والاتصالات في سوريا.
وزارة الاتصالات والتقانة:
ربما كانت وزارة الاتصالات والتقانة هي الحلقة الأضعف في الواقع المعلوماتي، والقضية ليست مرتبطة بالصلاحيات، فصلاحيات الوزارة واسعة نسبياً، إلا أن المشكلة هي في الفراغ الكبير الموجود في الوزارة، والناجم عن وجود عدد كبير من المواقع المفصلية الشاغرة منذ سنوات، ورغم أن الهيكلية الإدارية للوزارة أقل مما هو مطلوب، فإن الفراغ الذي تعاني منه مجموعة من المواقع المفصلية قد أدت لوجود خلل جوهري في طريقة عمل الوزارة، وابتعادها عما كان مطلوباً منها. وإن أضفنا لهذه المشكلة مشكلة محدودية الموارد المالية، والتي منعت الوزارة من تغطية هذا الفراغ عبر الاستعانة بمستشارين مستقلين، يمكننا فهم سبب توقف مشاريع ومبادرات الوزارة في السنتين الأخيرتين، وإن كان هذا الواقع مقبولاً لبعض الوزارات التقليدية المطلوب منها تسيير الأمور، فإن وزارة مثل وزارة الاتصالات والتقانة، والتي يفترض أن تقود نهضة معلوماتية جدية، تفقد مبرر وجودها بمجرد فقدانها الديناميكية المطلوبة.

المؤسسة العامة للاتصالات وشركتا الخليوي:
ربما قد بلغ التداخل بين دور المؤسسة العامة للاتصالات وشركتي الخليوي إلى درجة لم يعد من الممكن مناقشة دور أي من الشركات بشكل منفصل عن الآخر، فالشراكة بين هذه الشركات في (عقد البي أو تي) الخاص بتقديم خدمة الخليوي قد بدأ يتسع تدريجياً دون أي ناظم أو ضابط، وهذا سيؤدي إلى قيام الشركتين بابتلاع المؤسسة تدريجياً، وقد شهدت السنتين الأخيرتين معالم هامة من عملية الابتلاع، وقد تمثلت في التخفيضات غير المتوازنة للأسعار (على حساب المؤسسة دوماً)، واستبعاد عدد كبير من الخبرات الفنية والإدارية في المؤسسة (وقد شاءت المصادفة أن تكون هذه الكوادر هي نفسها الكوادر التي عارضت هذا التوجه)، وبينما لم تتمكن المؤسسة حتى الآن من إيجاد وسيلة فعالة للرقابة على نظم الفوترة في المؤسستين، وذلك للحفاظ على حصة الخزينة من دخل الشركتين، فإن قيام الشركتين بتقديم خدمات جديدة خارج إطار عقد البي أو تي (الأصلي)، وعدم قدرة المؤسسة على تنظيم الخدمات الجديدة، والتأخيرات في دخول المشغل الثالث، كلها مؤشرات إلى تنامي دور كل من الشركتين على حساب دور المؤسسة الذي يتقلص تدريجياً، بحيث أنها ربما لن تكون قادرة على دفع رواتب موظفيها في الأمد القريب.
ومن ناحية أخرى فإن شركتي الخليوي، وبالرغم من الدخل الكبير الذي تحققانه (في ظل الخلل المذكور سابقاً)، لم تحاولا حتى الآن القيام بأي مبادرة جدية تثبت أنهما حريصتان على تطوير الواقع المعلوماتي المحلي، وذلك كون قيام الشركتين بتحويل نسبة بسيطة من أرباحهما، ربما تكفي لإنعاش قطاع تقانات المعلومات الذي اقترب من الانهيار (والذي يتحمل الخلل الحالي في قطاع الاتصالات مسؤولية كبيرة عنه). وأرجو أن لايفهم من ذلك دعوة الشركتين لتوسيع احتكاراتهما لتشمل هذا القطاع الهام، إلا أن شركات الاتصالات (حول العالم) تدعم العديد من المبادرات التنموية المتعلقة بالاقتصاد الرقمي، وذلك لعلمها أن أي تنمية في ها المجال ستنعكس بشكل (غير مباشر) على مبيعاتها وأرباحها في المستقبل.

الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية:
رغم أن الجمعية قد قامت ببعض النشاطات خلال العامين الماضيين، إلا أنني لا أعتقد أن أياً منها يرقى للتصدي للمشكلات التي نطرحها في هذا المقال، وأعتقد أن تململ الزملاء أعضاء الجمعية أثناء اجتماعات الهيئة العامة من شكل وطبيعة المشاريع المطروحة، وعدم تناسبها مع الموارد المتاحة لدى الجمعية، ومع ضرورة لعب الجمعية لدور فاعل كان واضحاً في اجتماعات الهيئة العامة الأخيرة.
أعتقد أنه من المعلوم أن الجمعية المعلوماتية قد عانت في السنوات الأخيرة من مجموعة من الصعوبات الموضوعية التي نجمت عن بعض التغييرات المحيطة، وكنا نأمل أن تتمكن الجمعية من تجاوز هذه الصعوبات، وهذا الأمر كان ممكناً بالنظر للقاعدة العريضة التي تتمتع بها الجمعية، إلا أن تدخلات الجهات الحكومية في عمل الجمعية، وبشكل خاص الدور السلبي الذي لعبه ممثلو وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في اجتماعات الهيئة العامة التي تمت دون أساس قانوني، حيث كان من الطريف أن مندوبي الوزارة في كلا الاجتماعين وافقوا على إجراء كلا الاجتماعين بطريقة مخالفة للنظام الداخلي في الجمعية دون أن يتمكنوا من إبراز قرار وزاري بهذا الخصوص، وبما أن هذه الاجتماعات قد عدلت جذرياً النظام الداخلي للجمعية، فأعتقد أنها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير في إمكانية استعادة الجمعية لدورها السابق، وربما أصبح الحل يكمن في وجود جمعيات أخرى تغطي الجوانب التي لم تعد تركيبة الجمعية الحالية تمكن من تغطيتها.

الجمعية السورية المهنية لتقانات المعلومات والاتصالات:
لقد تم وأد جمعية (بيكتا) خلال أقل من شهرين من إطلاق أعمالها وبرغم الآمال التي كنا نضعها على تأسيس جمعية مهنية تغطي الفراغ في هذا القطاع، فإن تسرع أعضاء الجمعية في التصدي لبعض القضايا الشائكة قد جعلهم ضحية لهذه القضايا، ويبدو أن مؤسسي بيكتا لم يدرسوا خطواتهم بالشكل المطلوب، فحاولوا التصدي لمشكلات (شبكة تبادل المعطيات PDN، والتي من المعلوم أنه قد تبدل عليها ستة مديرين خلال السنتين الماضيتين)، وأعتقد أن مشكلة هذه الشبكة تختصر كل مشكلات القطاع، فمؤسسة الاتصالات ترى فيها الأمل الأخير للبقاء، بينما ترى فيها جهات أخرى فرصة لإحكام السيطرة، وجهات أخرى تراها فرصة للدخول للحلبة، ولهذا اعتقد أن محاولة بيكتا التصدي لهذا الموضوع كان سوء تقدير لمدى تعقيد هذا الموضوع. وربما علينا أن نقرأ الفقرة التالية في تقرير الأمم المتحدة لنفهم سبب الصراع على الـPDN.

((من المهم أن تعمل الحكومات على تهيئة بيئة تنافسية لمقدمي خدمات الإنترنت. وينبغي إيلاء اهتمام خاص للترابط المتبادل بين مقدمي خدمات الإنترنت على المستوى المحلي. وينبغي أن تتوفر للوافدين الجدد إمكانية الارتباط المتبادل المنضمون مع غيرهم من المشغلين، وبخاصة مع القائمين منهم، وذلك على نحو سريع وبتكلفة معقولة. وقد يستفيد مقدمو خدمات الإنترنت من توفر ظروف أكثر تنافسية فيما يتعلق باكتساب قدرات الدوائر الإلكترونية الدولية المستأجرة)).

منتدى صناعة البرمجيات:
لقد تم تأسيس منتد ى صناعة البرمجيات بهدف النهوض بواقع هذه الصناعة محلياً، وبرغم البداية المشجعة للمنتدى، والتفاف مجموعة من الشركات حوله، فإن عدم قدرة المنتدى حتى الآن على إيجاد مسار مستقل له، قد جعلت منه أسير التناقضات في الواقع المحلي، وبالتالي لم يتمكن (حتى الآن على الأقل) من حماية هذه الصناعة من الهاوية التي تسير إليها، ولم يتمكن حتى الآن من التدخل لدى متخذي القرار لإنقاذ هذه الصناعة، وبالتالي لا أدري كيف سيكون من الممكن «النهوض بالصناعة» دون تمكن المنتدى من امتلاك آليات عمل مناسبة.

الوحدات الهندسية الجامعية:
رغم أن هذه التجرية قد وصلت لنهايتها، إلا أن آثارها لاتزال موجودة، ففكرة الوحدات الهندسية الجامعية أعتقد أنها قد أساءت لقطاع تقانات المعلومات والاتصالات أكثر مما أفادته، فبالرغم من أننا مع فكرة ربط الجامعة بالمجتمع، إلا أن هذا لا يعني نقلاً للأفكار وطرق العمل الأكاديمية كما هي إلى سوق صناعات تقانات المعلومات والاتصالات، فالتعاون كان يجب أن يكون بين الجامعة والصناعة لتطوير بعض المحاور المهنية، وهذا لم يحصل، بل ما حصل كان مجرد محاولة (غير ناجحة) من قبل الجهات الأكاديمية للحلول مكان الجهات الصناعية، وفرض الوصاية عليها، وهذا الأمر كان خطأًً استراتيجياً دفعت سوريا ثمنه سنوات ثمينة، ومجموعة كبيرة من التجارب غير الناجحة، وأساءت لكل من الجامعة والمجتمع المعلوماتي.

شبكة العلماء السوريين في المغترب (نوستيا):
لقد قامت شبكة العلماء السوريين في المغترب (نوستيا) ببعض النشاطات الهامة في مجال تقانات المعلومات والاتصالات، ومن أهمها المؤتمر الدولي لتقانات المعلومات والاتصالات (ICTTA) في عامي 2004، و2006، ومن المتوقع أن تعقد الدورة الثالثة في ربيع العام القادم، ورغم الطبيعة الأكاديمية لهذا المؤتمر، إلا أن بعده الدولي وورشات العمل المرافقة له، ونموه من دورة لأخرى قد حوله لنقطة مفصلية في تاريخ سوريا الرقمي، وربما في تاريخ المنطقة، كما أن شبكة نوستيا قد أنشأت مركزاًً للتميز بالتعاون مع جامعة دمشق، تم فيه عقد مجموعة كبيرة من الدورات التدريبية المتقدمة التي لا يوجد مثيل محلي لها، كما أقام المركز مجموعة من ورشات العمل المتخصصة بجوانب مختلفة تتعلق بالاقتصاد الرقمي. وفي الأسبوع الماضي تكللت جهود الشبكة بالنجاح في مجال إطلاق برنامج ماجستير مهني في مجال الاتصالات المتقدمة، وذلك بالتعاون بين جامعة دمشق و(ENST Bretagne) الفرنسية، والذي يتوقع أن يرفد سوريا سنوياً بمجموعة من الخريجين في هذا الاختصاص الهام.
رغم النشاطات السابقة التي أقامتها شبكة نوستيا، إلا أنني مازلت أعتقد أن إمكانات هذه الشبكة لم تستثمر بالشكل المناسب حتى الآن، إذ إن الشبكة قد تمكنت وبعد ست سنوات من إنشائها من وضع نفسها كأحد اللاعبين الهامين (رغم هامش الحركة المحدود المتاح لها)، وبينت لمتخذي القرار أنها قادرة على تقديم قيمة مضافة متميزة، وأعتقد أن الكرة الآن في ملعب متخذي القرار، وذلك للانتقال للمرحلة الثانية التي تسمح للشبكة بتنفيذ بعضاً من المشاريع التنموية التي تبلورت خلال السنوات الماضية (وبعضها يؤدي لتغييرات جذرية في واقع تقانات المعلومات والاتصالات المحلي)، وأعتقد أنه آن الأوان لإعطاء الضوء الأخضر للقيام بهذه المشاريع، وذلك عبر توقيع برنامج تنفيذي بين الحكومة السورية وشبكة نوستيا، وذلك بما يسمح للشبكة بالقيام بمشاريع تنموية في سوريا، وذلك أسوة بالجهات الأخرى التي تمتلك مثل هذا الهامش.

المنظمات الدولية المعنية:
لا أعتقد أنه هناك دور يذكر للمنظمات الدولية العاملة محلياً في مجال تحقيق مستقبل رقمي أفضل، وقد قمت بإيراد هذه الجهات كأحد اللاعبين للتأكيد على هذه الحقيقة، فهذه الجهات لا أعتقد أنها قدمت أو ستقدم شيئاً يذكر، إذ إن هذه الجهات قد تكون قادرة على مساعدة مسار محدد، ولكن عندما لا نقوم بما يجب علينا القيام به، فيجب أن لا نتوقع منهم أن يقوموا بأكثر مما كلفوا بالقيام به. وهنا ربما أعتقد أن هذه الجهات تلعب دوراً سلبياً في إيصال رسائل خاطئة لمتخذي القرار عبر المبالغة في تقدير ما يمكنها تحقيقه، وبالتالي فهي تساهم في تمييع الموقف الحكومي فيما يتعلق بالتحديات المصيرية، ومن أهمها موضوع النهضة في قطاع تقانات المعلومات والاتصالات.
التهديد الأخطر للعمل المهني التنموي:
أعتقد أن أخطر تحد تنموي تواجهه سوريا في السنوات القادمة يتمثل في دور العمل الأهلي في مجالات مهنية وتنموية، وذلك كون تأخر صدور قانون الأحزاب في سوريا قد جعل من بعض الجهات الأهلية تنحرف عن مسارها وتعمل (كمشاريع أحزاب سياسية)، ورد الفعل كان في منح صلاحيات واسعة للجهات الحكومية في التصدي لهذه الحالات، إلا أنه يبدو أنه هناك من يسيء استخدام هذه الصلاحيات، وذلك لضرب المؤسسات التي تعمل في المجال الأهلي التنموي، وأعتقد أن الأسطوانة التي أصبحنا نسمعها باستمرار حول ضرورة عدم قيام الجمعيات الأهلية بأي نشاط ربحي هي كارثة بحق حاضر سوريا ومستقبلها، وتنم عن عدم اطلاع على بديهيات عمل الجمعيات والمنظمات الأهلية حول العالم، ومحاولة لخنق أية مبادرات للمجتمع الأهلي في المجال التنموي، وبالتالي إضعاف المنظمات الأهلية لصالح الجهات الربحية فعلاً (أي الجهات التي تنتهي أرباحها في جيوب أفراد، ولا تستخدم لخدمة المجالات التنموية)، والأمر نفسه ينطبق على اتهام الجمعيات المهنية بالتهرب من الضرائب عند قيامها بنشاطات ربحية، والسؤال الهام هو: إن كانت الجمعيات المهنية لا يفترض أن تقوم بنشاطات ربحية ، فلماذا قرر المشرع إعفاءها من الضرائب؟
وختاماً أعتقد أن أكثر ما هو مؤلم في هذا الانحطاط المعلوماتي هو أثر ذلك الانحطاط على الأجيال القادمة، فأي دولة لا تمتلك إمكانات رقمية مقبولة لا أعتقد أن مستقبلها سيكون مشرقاً، وإنني أشعر بالأسى عندما أرى في الصباح التلاميذ الذاهبين للمدارس، بعد أن استيقظوا باكراً وذهبوا إلى مدارسهم بحثاً عن مستقبل أفضل لهم ولوطنهم (بغض النظر عن رأينا بمستوى التعليم)، بينما ننشغل نحن بالقضايا الهامشية، ولا نهتم بالقضايا الجوهرية، وأعتقد أنه سيأتي اليوم الذي سيصبح هؤلاء الأطفال (رجال الغد) في سن يسمح لهم بالاطلاع على ما تركناه لهم، وأعتقد حينها أن التاريخ لن يرحمنا على عدم تمكننا من الاستفادة من الثورة الرقمية.

4 Comments

اترك رد