بين شبح الحرب ومستنقع التخلف !

من مدونة أنس 

ﻻ بد أن أي مجموعة من الشباب يجتمعون فيما بينهم, ﻻ بد أن يدور الحديث اﻷزلي الذي دائماً ما يتحدث عنه الجميع في العائلة وبين اﻷصدقاء, في اﻷفراح واﻷتراح والمناسبات والمشاوير. تسألني ما هو هذا الحديث؟ سأنقل لك جانباً منه, وﻻ بد أنك أنت وأصدقاءك أو عائلتك تتداولون نفس العبارات:

• “الوضع اﻻقتصادي بالبلد أصبح ﻻ يطاق”
• – ” البطالة مرتفعة والتضخم يزداد”
• – “أسعار الطعام والخضروات … أقساط المدارس … ”
• – “التلوث في دمشق صار خانقاً”
• – “الازدحام يزداد يوماً بعد يوم”
• – “الفساد على ما هو عليه رغم ما يقولونه عن حملات المكافحة”
• – “المعاملات في الدوائر الحكومية تعكس تخلفنا بكل بساطة!”
• – “الشباب ﻻ يستطيعون الزواج”
• – “الرواتب ضئيلة حتى في الشركات الخاصة الكبرى”
• -”أكثر من عام ونصف ولم تستطع وزارة بحالها أن تؤمن خطوط انترنت سريعة للشعب … نشف دمنا من الديال أب !!”
• -”الضرائب ..”
• – “شرطة المرو .. ”
• – “قانون السير ..”
• -”حرية التعبير .. ”
• -”إغلاق الصحف والمحطات الخاصة”
• -” لم أعد أطيق العيش هنا … يجب أن أهاجر …”
إلخ .. إلخ .. إلخ

نفس هذا الحوار يدور بين أي مجموعة من الشباب في المقهى أو في المطعم أو في السيارة. وأنا عندما أسمع هذه اﻷحاديث وأشارك بها يصيبني شيء من السرور. نعم ﻻ تستغرب أعرف أن هذه الأحاديث تصيب بالكآبة والشلل الرعاش وسرطان الشبكية, لكن هذه اﻷمراض نسيناها وتعايشنا معها, وﻻ يصيبني هذا السرور بسبب تلك الحوارات المصيبة للاكتئاب بالطبع لكن طرح هذه المشاكل بحد ذاتها دليل على تطلع الشباب إلى اﻷفضل دائماً. ولولا هذا لصرنا مثل بعض القبائل الإفريقية التي تعيش في بيوت القش وتستحم بروث اﻷبقار وتظن بأن هذه هي العيشة المثلى بسبب تخلفها الشديد.
إن مجرد استياء الشباب من الوضع واعتباره غير قابل للمعيشة البشرية يحمل داخله بذوراً للتغيير نحو اﻷفضل …

ولكن ….

بينما أسترسل في تفكيري هذا, يختمون حديثم بالعبارة التي تجعلني أرغب في الإمساك بأقرب مدفع رشاش وإفراغه في صدورهم!
نفس الشباب الذين يتحدثون بهذه الحماسة عن أن “الوضع أصبح ﻻ يطاق” يختمون حديثهم وبنفس الحماسة بالعبارة: “بس سيدي يلّلا ماشي الحال .. خلينا هيك أحسن ما يصير فينا متل العراق” !!!!!
!!!!!!
!!!!!!!
!!!!!!!!
!!!!!!!!!

وهنا أحاول استيعاب الموقف … هل كتب علينا حل من اثنين؟ إما أن نبقى على الوضع الراهن وإما (بدّو يصير فينا متل العراق)؟؟؟ ما علاقة هذا بذاك أصلاً؟ لماذا كلما تحدثنا عن مشاكل البلد نجد من يشير إلى العراق؟ أو من يغير الموضوع ليتحدث عن (اﻷمان) في البلد الذي صدّعوا رؤوسنا به ويجعلونه تبريراً لإقناع أنفسهم بالتخلف الذي نعيش فيه, وكأنه ﻻ يمكن أن يجتمع اﻷمان والسلام مع حالة من التطور والتحسن.

هل انعدم طموح الشباب إلى هذه الدرجة؟ المشكلة إن ما يؤلمني هو أن هذا الحديث يصدر من اﻷشخاص واﻷصدقاء الذين أعتبرهم أكثر طبقات المجتمع ثقافة, منهم أصدقاء أو أقارب لي وجميعهم مهندسين أو أطباء.
ما علاقة الحرب في العراق بالوضع اﻻقتصادي واﻻجتماعي عندنا؟ لماذا يعتقدون بأن تطورنا اﻻقتصادي واﻻجتماعي سوف يجلب علينا حرباً؟؟

طبعاً ناهيك عن من يأتي ليقول بكل سماجة (بعد أن يكون قد قضى ساعة في الحديث عن معاناته والمعيشة الصعبة في هذا البلد وعن تطور البلدان العربية اﻷخرى), يأتي فيحسم النقاش قائلاً:” بس بالرغم من كلشي الوضع بالبلد ممتاز نظراً للوضع السياسي ” بل إن أحدهم ذهب للقول بأن :”اﻻقتصاد السوري أقوى إقتصاد في الوطن العربي” بل تابع معللاً بشكل مضحك بأن الإمارات مثلاً سينهار اقتصادها لو اختلفت معها الولايات المتحدة لأن اقتصادها معتمد على الولايات المتحدة !!!! بينما نحن لن نتأثر بشيء لأن اقتصادنا (مكتفي ذاتياً) !!! وبالتالي فإن اقتصادنا أقوى من اقتصاد دولة الإمارات!!
ﻻ أدري هل أضحك أم أبكي؟

التبريرات الساذجة دائماً موجودة لدى هؤلاء, ﻻ أدري ما الذي يحاولون إقناع أنفسهم به وﻻ لماذا يفعلون ذلك .. وأكرر هؤلاء منهم أصدقاء مقربين لي مهندسي كمبيوتر واتصالات وأطباء …

إلى أين سنصل إن لم تكن في داخلنا الرغبة في التطور؟

قد يكون غبياً من يعرف اﻷخطاء ويدركها ويتحدث عنها لكن ﻻ يحاول أن يبذل ما يستطيع لإصلاحها …
لكن اﻷغبى من يعرف اﻷخطاء ويدركها ويتحدث عنها … ثم يعود ليبررها وليقنع نفسه بأنه أسعد إنسان في العالم …

أﻻ يستطيع أن يمشي وحيداً الساعة الثانية ليلاً دون خشية أن يتم اختطافه؟ بينما المساكين في نيوريورك ﻻ يستطيعون ذلك … وفي العراق ﻻ تدري متى تنفجر بك القنبلة ..

حسناً, هذا سبب كاف إذاً كي نعيش في سعادة و هناء وﻻ نفكر بالمشاكل الصغيرة التافهة !!

اترك رد