صبحي حديدي
هذا المقال قديم لكنه ما يزال يستحق القراءة في راي لهذا قمت باعادة نشره ؟؟
للممثل الكوميدي السوري الراحل نهاد قلعي (أو حسني البورظان، كما يعرفه الجمهور) عبارة مأثورة ذهبت مثلاً: إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، فينبغي أن نعرف ماذا في البرازيل! الكاتب البريطاني جورج مونبيوت، المعلّق في الـ “غارديان” وصاحب الكتاب الهامّ “عصر الإجماع: بيان من أجل نظام دولي جديد”، اقترح قبل أيّام صيغة مماثلة… لكنها، بالطبع، بعيدة تماماً عن الكوميديا:
إذا أردتَ أن تفهم ما يجري في الشرق الأوسط، فينبغي أن تفهم ما يجري في ولاية تكساس الأمريكية؛ ولكي تفهم ما يجري في هذه الولاية، فينبغي أن تفهم ما جرى قبل نحو شهر أثناء مؤتمر الحزب الجمهوري في مقاطعة هاريس.
المؤتمر، كما يلخّص مونبيوت أهمّ وقائعه، شدّد على عدد من الثوابت اليمينية الكبرى: المثلية الجنسية مناهضة للحقائق التي أرساها الربّ، وأيّ إجراءات لمراقبة أو ترخيص أو إحصاء امتلاك الأسلحة مرفوضة، ويتوجب إلغاء الضريبة على الدخل والوراثة وأرباح رأس المال والشركات، ثمّ الحدّ من الهجرة عن طريق استخدام العوازل الكهربائية، وسوى هذه من كلاسيكيات الشؤون الداخلية الأمريكية.
ولكن، يتساءل مونبيوت، ما الذي يجعل هذه المقاطعة معنيّة إلى هذه الدرجة المفرطة بشؤون دولة تقع على مبعدة 7000 ميل ما وراء البحار؟ لماذا، في هذه الولاية التي لا يُعرف عنها كبير اهتمام بشؤون السياسة الخارجية، صوّت مؤتمر مقاطعة هاريس على قرار كامل متكامل يخصّ دولة إسرائيل؟ ولماذا خاض القرار في تفاصيل إشكالية تماماً، ولا يقرّها القانون الدولي، مثل اعتبار القدس عاصمة شرعية لإسرائيل، بل واعتبار الضفة الغربية المحتلة أرضاً إسرائيلية، ومطالبة الإدارة بالضغط على الدول العربية لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين، وتأكيد حقّ إسرائيل في أن تفعل ما تشاء لمحاربة الإرهاب؟
لأنّ إسرائيل ليست قضية خارجية بل قضية داخلية صرفة في عرف اليمين الجمهوري الأمريكي، يجيب مونبيوت! ولأنّ شرائح واسعة من المنخرطين في مختلف المنظمات المسيحية ـ الأصولية يؤمنون بنظرية متكاملة (جرى التبشير بها في القرن الثامن عشر) تقول بعودة يسوع إلى عالمنا هذا لتخليصه من الشرور، وذلك حين تكتمل جملة شروط: قيام دولة إسرائيل؛ نجاح إسرائيل في احتلال كامل أرض التوراة، أي معظم الشرق الأوسط؛ إعادة بناء الهيكل الثالث في موقع، وعلى أنقاض، قبّة الصخرة والمسجد الأقصى؛ وأخيراً، اصطفاف الكفرة أجمعين ضدّ إسرائيل، في موقعة ختامية سوف يشهدها وادي أرماغيدون، حيث سيكون أمام اليهود واحد من خيارين: إمّا الاحتراق والفناء، أو الاهتداء إلى المسيحية، الأمر الذي سيمهّد لعودة المسيح المخلّص!
اقرا المزيد… “الأصولية المسيحية وجذور الموقف الأمريكي من إسرائيل” »