المهندس آدم الحسن *
تشتت هوية الإنسان العربي في هذا الزمن الأغبر بين ما يكتب من زيف للتاريخ وحاضر لا يقرأ إلا من خلال عيون الحاكم . صارت أحلام اليقظة مصدرا لكتابة الانتصارات الوهمية والحرية صارت أحلاما كابوسية .لم يعد الفن الشعبي هواية , صار حرفة لتحويل الهزيمة إلى نكسة والنكسةإلى عطسة و العطسة إلى هزة والهزة إلى رقصة من اجل بقاء كرسي الحاكم.
وما أن يخرج عربان هذا الزمان من عطسا تهم, عفوا من انتصاراتهم حتى يبدأ مثقفهم بتأليف أغاني حماسية جديدة تبشر بالنصر القادم بقيادة الحاكم المقدام الذي انجب ابنا سيكون من بعده الزعيم الهمام ….!!!هذا المثقف … إن صار مثقفا بعد أن يتخرج من مدرسة القائد يتعلم كيف يبقي صورة الواقع كما تراها يون الحاكم ويمارس فن الهروب نحو حمورابي و هانيبال وما في التاريخ من انتصارات لسرجون الاكدي ويعيد كتابة المعلقات لشعرية ويرفعها من على جدران الكعبة المشرفة ليضعها في قصر الحاكم ويرسم صورة جميلة للقائد وهو يتبختر في سوق عكاظ وكيف إن الحاكم شم رائحة البخور في أروقة قصور الفراعنة و كيف نام ….وينام المثقف … ثم يصحو المثقف الذي تخرج من مدرسة القائد ليلقي محاضرته عن هذا الحاضر ليتهم كل من لا يقف في الصف بالخيانة والعمالة للأجنبي ,
يشرح لك التاريخ وكيف كان هذا الأجنبي سوفيتيا ثم صار أمريكيا وغدا سيكون صينيا . هذا المثقف الذي تعلم كيف يزيف ما يجري في هذا العصر والزمان وكل الطرق لامتهان سياسة التخبط في العطسات ليعلم الناس كيف يريحون أنفسهم في مقاطعة الكوكا كولا والمأكولات الأمريكية ليأكلوا بدل عنها المأكولات الفرنسية وكيف يعتبرون كل ذلك انتصارات ستهزم كل الأعداء
و إذا حاول مجنون محاورة هذا المثقف بجدية اتهمه بالعمى والعمالة والخيانة الأبدية وربما طلب المثقف من شرطة الآداب تعليم هذا المجنون أسلوب الحوار حين يكون الموضوع دور القائد في التاريخ وانه ليس من حق أي مواطن أن يقول لهذا المثقف ” طيط ” .
هكذا صار رفض الغوص في الهزائم عمالة أو خيانة وصارت الوطنية تصفيق والتصفيق يصير هزة والهزة تصير رقصة والرقصة تجديد للبيعة ليضل الحاكم يحكم بأمر من نفسه .