الكـاتب: م. محمود عنبر.

هل يعتبر ضخ مزيد من سيناريوهات رفع الدعم مؤشراً على نجاحها؟ وهل مازال بمقدور الفئات الشعبية البسيطة تحمل الصدمات الاقتصادية المتتالية؟ ولماذا يصر البعض على إقحامنا في تغييرات جذرية دون أن يضع آليات فعالة لإدارة التغيير؟

علاقة الحزب بأخطاء الحكومة:
قرأت مؤخراً تعليقاً للدكتور مطانيوس حبيب يدافع فيه عن الانتقاد التالي الذي يوجه للحكومة:
«إن سياسة الحكومة،التي يفترض أنها تمثّل سلطة الحزب وشركائه في السلطة، تميل إلى رعاية مصالح الرأسمال الكبير على حساب مصلحة الجماهير»، وفي معرض رده على هذه الانتقادات، فإنه للأسف يعتمد أسلوباً عاطفياً من جهة، وتصادمياً من جهة أخرى حين يتهم موجهي الانتقادات بما يلي:
«يرمون التشكيك في موضوع قيادة الحزب للدولة والمجتمع بسبب اتخاذ بعض التدابير لتشجيع الاستثمار،أعتقد أن تحليلهم ليس موضوعياً وليس بريئاً» وبعد ذلك يناقض نفسه حين يصف علاقة الحزب بالقرارات الحكومية بالقول: «لا يتدخّل مباشرةً في هذه القرارات وليس بالتالي مسؤولاً عن نتائجها مسؤولية مباشرة»، ولا ندري كيف يوفق الكاتب بين حمايته لتمترس الحكومة بالحزب وقيادته للدولة والمجتمع، ومن ثم اعتبار الحزب غير مسؤول عن أخطاء الحكومة!.
بالرغم من ذلك يقوم الكاتب بمنح صك براءة للحكومة من الأخطاء التي ترتكبها، وذلك في عبارته التالية:
«وحتى اللحظة،بالرغم من كثرة الأخطاء، يصعب القول إن الحكومة تنحاز إلى الرأسمال الكبير، بل إنها، كما أعتقد،تجتهد لعقد شراكة بين الحكومة، بصفتها راعيةً لمصالح الشعب السوري بكل فئاته،وبين قطاع الأعمال الخاص لدفع عجلة النمو بأقصى سرعة بعد أن عجز عن الاعتماد على آلية التخطيط والقطاع العام الاقتصادي في الوصول إلى هذا الهدف، الذي كان أصلاً وراء قيادة الحزب للدولة والمجتمع».
ونرى في هذا الموقف محاباة للحكومة على حساب الحزب وعلى حساب الشعب أيضاً. ونعتقد أنه من غير المقبول ربط كافة الأخطاء الحكومية بالأبعاد السياسية سلباً أم إيجاباً، ومن غير المقبول أن تقوم الحكومة بعقد تحالفات مع قطاع الأعمال، وذلك كون دورها يجب أن يكون ناظماً لقطاع الأعمال، وإلا تصبح شريكاً في الاحتكار.

الضرائب بين الدخل المقطوع وضريبة الأرباح الحقيقية:
أعتقد أن مجرد قراءة الانتقادات اللاذعة التي أوردها الدكتور الياس نجمة في مقابلته مع مجلة (أبيض وأسود) تعتبر كافية لتوضيح المشكلة الحقيقة في الإدارة المالية والضريبة السورية، والتي أدت للعجز الحالي في موارد الخزينة، وسنورد أهمها فيما يلي:
«أخطر شيء في نظامنا الضريبي أنه لا يزال يعتمد على نظام ضرائب الدخل النوعية، وهذا النظام كان موجوداً قبل الحرب العالمية الثانية وألغي في جميع دول العالم، لكنه ما زال قائماً لدينا»، كما يشير إلى الجهات التي يفترض أن تتم معاملتها وفق ضريبة الدخل المقطوع وهي التالية:
«ضريبة الدخل المقطوع وجدت للذين لا يستطيعون إمساك دفاتر كبائع جوال أو صاحب دكان.
والمسوغ القانوني لذلك هو عدم استطاعة البعض إمساك الدفاتر. لذلك نرسل لهم لجاناً تضع الضريبة المقطوعة كل خمس سنوات، لكن ما يجري الآن أن هناك فئات تستطيع إمساك الدفاتر ولديها دخول هائلة ورغم ذلك، أخضعناها لضريبة الدخل المقطوع
».
وختم الدكتور فكرته بالنقطة التالية:
«من يربح يجب أن يدفع ومن لا يربح يعفى» وأعتقد أن هذه الفكرة (على بساطتها) هي ما ينقص نظامنا الضريبي، وربما في هذا السياق يمكننا إضافة ضرورة تطوير الآليات الضريبية، ففكرة امتلاك موظفي وزارة المالية إمكانية إهمال كل الثبوتيات التي أمامهم ووضع ما يريدون، هي أمر مستغرب، وتفقد كل عملية التحقق الضريبي من جديتها، وبالتالي تفتح الباب واسعاً أمام التهرب الضريبي لكبار المكلفين(بقوة القانون)، كما أنها تكبح قدوم أي استثمارات جدية ونوعية (بعيدة المدى).
باختصار يمكننا القول إن الحكومة تتبع سياسة مالية تتسم بالعشوائية الضريبية، وهي لا تحاول تحويل الضرائب إلى ركن رئيس من مصادر الإيرادات للخزينة، وأعتقد أنه كان يجب أن تكون السياسة الضريبية الحديثة واحدة من أهم خطوات التحول لاقتصاد السوق، إذ لا يمكننا تخيل أن تسمح الحكومة باستنزاف مواردنا الباطنية ومصادر الطاقة التي لدينا وتلويث البيئة واستجرار الدعم بأشكاله المتعددة بحجة جذب استثمارات دون التأكد (على الأقل) بأن هذه الاستثمارات ستقوم بإعادة جزء من أرباحها للخزينة، وعندها لا ندري ما جدوى جذب استثمارات لا تدفع ضرائب! وكما هو معلوم فإن لم تكن المشاريع الكبرى هي التي تدعم الخزينة، فهذا يعني أن المواطن المحدود الدخل هو من يدعم الخزينة، وبالتالي فالمواطن محدود الدخل يدعم كبار المستثمرين من خلال استفادتهم من المزايا والإعفاءات، ومن هنا ربما يكمن التذمر الشعبي الواسع من فكرة رفع الدعم بالطريقة المقترحة، والتي لا يمكن اعتبارها أكثر من تخل كامل عن المواطنين دون طرح أي بديل جدي، وبالتالي يفقد البعد الاجتماعي لعملية التحول لاقتصاد السوق معناه.

هل سيشكل رفع الدعم الضربة القاضية؟

بعيداً عن العبارات التجميلية التي يتم استخدامها، فمن الواضح أنه هناك من يعمل على رفع الدعم دون تأمين بديل واضح، والمثير للقلق أن معظم السيناريوهات التي يتم تسريبها لا تتحدث إلا عن الخطوة الأولى، وبعد ذلك تضعنا في المجهول.
وفي هذا السياق نود أن نبدي قلقنا من أن آلية الكوبونات الخاصة بالوقود لن تضعنا في حال أفضل، فمن تمكن من تجاوز آليات ضبط الحدود لن يكون من العسير عليه تجاوز موضوع تأمين الكوبونات أو الحصول على وقود (دون كوبونات)، ولنا في حالات الفساد التي رافقت كوبونات الرز والسكر المثال الواضح على ضعف وفساد هذه الآلية، والآن الفساد سيتضاعف بسبب تضاعف المبالغ التي تدار بأسلوب الكوبونات، وبالتالي سيصبح هناك سوق سوداء للكوبونات من جهة، ولسعر المازوت المدعوم من جهة أخرى وبالتالي سيدفع المواطن دون أن تستفيد الخزينة.
هذا إن لم نتحدث عن عدم جدية اعتبار دفتر العائلة (يمثل عائلة تستحق الدعم بألف ليتر)، وبالتالي يتساوى الفردان (أو الفرد المقيم مع عائلة أخرى في بعض الأحيان)، مع العشرة أفراد (من جهة)، والمقيم والمغترب (من جهة أخرى)، ويفتح الباب واسعاً أمام مشكلة مشابهة لمشكلة القيود التي تم وضعها سابقاً على بيع السيارات وأدت إلى حصول عقود زواج وهمية أدت لمشكلات اجتماعية واسعة! هذا إن لم نتحدث عن إهمال هذه الآلية للآثار التضخمية الناجمة عن رفع الدعم عن النشاطات الصناعية والخدمية والتي سترفع بدورها الدعم بآثار مضاعفة (عن المواطن).
ما يهمنا مما سبق، أن موضوع رفع الدعم مختلف تماماً عن موضوع «توجيه الدعم لمستحقيه» والذي نؤيده بشكل كامل، والذي لا نعتقد أنه قابل للتحقيق دون وجود آلية واضحة لإدارة موضوع الدعم، إذ أننا لا نعلم لماذا لم يتم حتى الآن وضع الدراسة الاقتصادية الخاصة بمقدار الدعم، وما هو حجم التغيير المطلوب وكيف سيحصل، وذلك قبل أن يتم إقحامنا في تغيير لا أفق له، ولا آليات إدارة واضحة له.

دعم حكومي بحاجة لمن يدعمه:
أعتقد أن مشكلة الحكومة أنها تعتقد أن الدعم الذي تقدمه يصل للمواطن، وبالتالي فهي تعتقد أنها تدعم خبز المواطن بـ80 مليار ليرة سورية (دون اعتبار مشكلات هدر القمح وتهريب الطحين أو استخدام الخبز المدعوم بشكل واسع من قبل المنشآت السياحية)، أو النظر إلى حجم استهلاك الخبز (غير المدعوم) من قبل المواطنين، وتدعم الخدمات الصحية بـ60 مليار آخر ( دون اعتبار الهدر والفساد في المشافي والمستوصفات الحكومية)، أو الفاتورة التي يدفعها المواطن من جيبه للتداوي والاستشفاء، وتعتقد أنها تدعم تعليمه بـ90 مليار ليرة أيضاً، دون أن تأخذ بعين الاعتبار القيود التي تضعها وزارة التربية تدريجياً على التعلم، والتي تؤدي لتقليص الشريحة المستفيدة إلى أقل من النصف، وذلك بالتوازي مع طلب زيادة التمويل (والتوظيف)، هذا إن لم نتحدث عن الدروس الخاصة والتي تعبر بشكل أو بآخر عن ترد في سوية التعليم، وإلى فقدان التعليم المجاني (لمجانيته)، وتعيدنا لأهمية الفصل بين مجانية تقديم الخدمة (وملكية المؤسسة المقدمة للخدمة للحكومة)، والتي تنبهت إليها دول عديدة سبقتنا في عمليات التحول.
المشكلات السابقة تبين أن الحكومة تعتقد أن الدعم الذي يحصل عليه المواطن كبير جداً، وبالتالي بإمكانها سحب جزء من هذا الدعم عنه (الدعم الخاص بالوقود)، ولكن الحقيقة أن جزءاً هاماً من الدعم يذهب في ماكينة الفساد الحكومية، أما ما سيتم سحبه فسيسحب (من المواطن حصراً)، وبالتالي على الحكومة البدء بإعادة تنظيم آليات الدعم بطريقة ملائمة، فتخفيف الهدر ورفع الكفاءة في آليات الدعم قد يوفر مبلغاً (ينعكس وفراً مباشراً على المواطن بنواح متعددة) أكبر مما ستوفره الحكومة عبر إجراءات رفع الدعم المقترحة (بالشكل المقترح)، ولا نعتقد أن الحل الوحيد الممكن لرفع كفاءة عمليات الدعم هو في إلغائه (الوجه الآخر لإعادة توزيعه بآليات فاشلة)، إذ أنه علينا التذكر أن إضافة كلمة الاجتماعي إلى اقتصاد السوق قد كانت سبباً للحفاظ على التدخل الحكومي في تحديد طرق ومجالات الاستثمار، ولاستمرار حالات الهدر في القطاع العام بمؤسساته الإنتاجية والخدمية، وذلك للحفاظ على الأبعاد الاجتماعية، ولهذا فإن سحب الحكومة يدها من الشق الاجتماعي يعيدنا لاقتصاد السوق، ويتطلب تجفيف مصادر الهدر الحكومية فوراً .

http://www.awaonline.net/index.php?action=show&type=news&id=2552

اترك رد