الكاتب :م . محمود عنبر (أبيض واسود)

هل تحول هدف نظام المرور من التخفيف من الحوادث، والحفاظ على أرواح المواطنين إلى زيادة دخل الخزينة؟ وهل ستؤدي المضاعفات الكبيرة في الغرامات ومنح عناصر المرور صلاحيات أوسع لخفض عدد الحوادث أم زيادتها؟ ومتى ستتم محاسبة المسؤولين عن تردي النظام المروري؟ ومتى سنبني نظاماً مرورياً يحمي حياة المواطن ويلزم المسؤولين بالعمل؟
دمشق عاصمة القرارات الذكية:
أذكر أنني منذ مدة قرأت التعليمات المتعلقة بحملة التعريب التي تم إطلاقها، وقد وجدت أن هذه التعليمات غير مستساغة، ولكنني آثرت عدم الخوض في هذا المجال رغم إدراكي بأن اللغة العربية تتضرر من هذه القرارات أكثر مما تستفيد، وذلك كوني أعلم أن هذه الموجات (والمزايدات) المتعلقة باللغة العربية لا تلبث أن تختفي لتعود الأمور كما كانت عليه. إلا أنني، ومنذ بضعة أيام قرأت مقالاً منقولاً عن جريدة (الجريدة) الكويتية للكاتبة رزان زيتونة، والحقيقة أن المقال يوجه انتقادات لاذعة لما سمته (عربنة البلد والرعايا)، ورغم أن المقال يوجه انتقادات (موضوعيه بمعظمها) لهذا القرار وما يتعلق به، إلا أنه يخلط السم في الدسم حين يستخدم هذه الأخطاء الحكومية للنيل من الوحدة الوطنية السورية (عندما يربطه بحقوق الأقليات)، وذلك كون هذا القرار يضر الجميع، كما أن المقال يحاول بشكل غير موضوعي النيل من المواقف السياسية حينما يتحدث عن الجولان وانتخاب رئيس في لبنان، وعلاقة ذلك بالقرارات الحكومية الخاطئة، وذلك بأسلوب ارتجالي يفتقر للموضوعية، إلا أن هذه الحادثة تذكرنا باستمرار ظاهرة استنزاف الحكومة للمواقف السياسية (والإنجازات السياسية الخارجية) عبر قرارات وأخطاء داخلية.
الأداء الحكومي: هدية حكومية للمعارضة:
رغم أنني أعتقد بأهمية الإصلاح السياسي إلى جانب الإصلاح الإداري والاقتصادي، إلا أنني أرى أن نقطة الانطلاق للإصلاح السياسي هي في قانون الأحزاب، وأي مدخل آخر للإصلاح السياسي لا يمتلك الجدية المطلوبة، فالدول الحديثة بحاجة لمؤسسات أكثر من حاجتها لأي شيء آخر. ومن هنا فإنني أرى أن عدم إصلاح المؤسسات يؤخر في الإصلاح السياسي، وذلك رغم أنه يرفع من أولوية الإصلاح السياسي، وهذا يؤدي لتعميق الفجوة بين المواطنين (وأحلامهم الإصلاحية)، وبين واقع (الجهاز الحكومي)، وبالتالي فإن تردي الأداء الحكومي يعتبر بمثابة القوة الدافعة للمعارضة، فالمعارضة قد تمتلك قوتها من قدرتها على العمل المؤسساتي (وانتظام هذا العمل ضمن أحزاب)، أو أن تكتسب قوتها من ضعف الأداء الحكومي، ويبدو أن الوضع لدينا أقرب للحالة الثانية، فالمعارضة يكفيها أن تراقب أخطاء الجهاز الحكومي، وأن تسلط الأضواء عليها.

 

قانون السير والفقر في سوريا:
تعتبر التعديلات المقترحة على قانون السير (والتي أقرتها الحكومة في الأسبوع الماضي)، بعد أن تجاهلت كل الملاحظات التي وردت عبر موقع التشاركية الحكومي أو عبر وسائل الإعلام الإلكترونية (حجم التعليقات كان كاف لسحب المشروع)، تعتبر هذه التعديلات حالة واضحة لتردي وعجز الجهاز الحكومي وغياب الرؤيا لديه، وقبل أن نوجه بعض الانتقادات التفصيلية لبعض بنود القانون سنقتبس الفقرة التالية من تقرير (الفقر في سوريا) والصادر عن الأمم المتحدة، وذلك لإيضاح الواقع الاقتصادي للمجتمع السوري الذي (نفترض) أن مسودة القانون قد أعدت له:
تم تسجيل أعلى مستويات نصيب الفرد من الإنفاق في المنطقة الجنوبية، حيث بلغ 4.110 ليرة شهرياً (بمعدل نمو سنوي بنسبة 2.13 %). أما في الإقليم الشمالي الشرقي، فقد بقى نصيب الفرد من الإنفاق 3.487 ليرة شهرياً خلال 2003-2004. وقد سجل إقليم الوسط أعلى معدل نمو في المناطق الأربع 3.9 % سنويا)، بينما احتل الإقليم الساحلي المرتبة الثانية، مسجلاً 4.023 ليرة شهرياً للفرد.
طبعاً قد يناقش البعض بأنه هناك شريحة فاحشة الثراء في سوريا، وهذا الأمر عالجه التقرير في الفقرة التالية:
(استهلك الـ20 % الأدنى دخلاً من السكان 7 % فقط من كافة الإنفاق في سوريا، واستهلك الـ20 % الأكثر ثراء 45 %)، إلا أن هذا لا يمنع من أن القوانين لا توضع للأغنياء فقط، وإنما لكافة شرائح المجتمع، والأمر نفسه ينطبق على سائقي المركبات (العامة)، وبعض سائقي المركبات الخاصة (في سوريا 1.2 مليون سيارة ربعها فقط سياحي)، وبالتالي افتراض أن المواطن الذي يقود سيارة لديه مصادر دخل (غير محدودة)، يعبر عن رؤية خاطئة، وإلا فلماذا تتوالى عروض تقسيط السيارات من قبل المصارف الحكومية والخاصة؟
المجزرة المرورية في سوريا:
لقد قدم تقرير إدارة المرور المعلومات التالية:
«حوادث السير التي حدثت في سوريا عام 2006 بلغت 26418 حادثاً أدت إلى وفاة 2756 شخصاً، وتركت 15668 مصاباً بإصابات مختلفة بين رضوض وكسور وجروح وعاهات دائمة»، كما تبين إحصائيات إدارة المرور أن عدد الحوادث الحاصلة خلال العام الماضي (ولغاية 30/11/2007) وصل إلى 26433 حادثاً نجم عنها وفاة 2595 شخصاً وجرح 15002 آخرين. وللإضاءة بشكل أفضل على هذه الأرقام، ربما يجب أن نشير إلى أن عدد حوادث السير في الاتحاد الأوربي يبلغ 40 ألف حادث سنوياً (فقط)، من هذه الحوادث هناك حوالي خمسة آلاف حادث في ألمانيا، وعشرة آلاف في بريطانيا، وينخفض عدد الحوادث سنوياً بسبب جدية التعامل مع هذا الموضوع.
ورغم أن الجهات المعنية لدينا تعيد المشكلة دوماً إلى السرعة وتهور السائقين (بعكس الدول المتقدمة التي تعتبر السائق أحد الأسباب فقط)، فربما من المفيد التذكير بالتحليل الذي ذكره الأستاذ الدكتور عامر بن ناصر المطير في دراسة نشرت مؤخراً:
(ولعل أبرز ما جاء في دراسة المطير هو تحديده لأسباب زيادة حوادث الطرق في الوطن العربي وعزا الأسباب إلى أن بعضها يرجع إلى الإنسان: كالسرعة والتهور في القيادة وقيادة صغار السن أو القيادة تحت تأثير مواد كحولية أو مخدرة أو ترك حيوانات سائبة على الطرقات السريعة، وبعض الأسباب يعود للمركبة مثل: استخدام وسائل نقل لا تصلح لنقل الإنسان أو تلف الإطارات وتهالك وقدم المركبة أو استخدام قطع غيار غير أصلية أو تلف مكابح السيارة أو عدم صلاحية الإضاءة في السيارة، كما أرجع بعض أسباب الحوادث إلى الطريق مثل: كثرة المنعطفات بدون إشارات تحذيرية أو الطرق ذات المسار الواحد وعدم وجود معابر آمنة في الطرقات وعدم صيانتها).
وبالتالي ربما علينا أن نبحث عن سبب عدم معالجة قانون السير المقترح لمعظم النقاط المبينة سابقاً، فما الذي تم فعله لإلزام وسائط النقل العامة على تبديل الإطارات بعد مسافة سير محددة، وعدم تجاوز ساعات القيادة لعدد معين من الساعات يومياً، بل ماذا

لا توجد أراء حول “قانون سياحي للسير لا ينقذ حياة المواطن”

اترك رد