لماذا وصل التردي في الأداء الحكومي إلى وضعه الحالي؟ وهل المراهنة على الكوادر الحكومية في إنجاز التطوير كانت خياراً خاطئاً؟ وكيف يمكننا استعادة زمام المبادرة في عملية التطوير؟
الكـاتب:م. محمود عنبر
التجربة السورية الضائعة:
قد يكون أفضل توصيف لوضع التجربة السورية في مجال الحكومة الإلكترونية هو الاستخفاف الحكومي لمدى أهمية هذا الموضوع، وأعتقد أن هذا الاستخفاف قد نجم عن عدم قدرة نسبة كبيرة من متخذي القرار على إدراك الدور الحاسم والمحوري للحكومة الإلكترونية (كتوجه) في موضوع مثل التطوير الإداري، وانعكاسات ذلك الإيجابية على مجمل محاور التطوير (الاقتصادي والسياسي).
لا أدري إن كان السبب هو ضعف في الثقافة الحكومية أم تقصير في الإعلام، ولكنني أذكر أن هذا الموضوع قد تم التطرق إليه إعلامياً قبل عدة سنوات، وكانت الحكومة (ومازالت) تقابل الموضوع باستخفاف شديد، ويبدو أنه هناك من مازال يعتقد بأن موضوع الحكومة الإلكترونية لا يتجاوز شراء بعض التجهيزات والبرمجيات المعلوماتية!
سنوات من الفشل:
بعد هذه السنوات من الحديث الحكومي عن الإصلاح، وتنفيذ (شيء ما لا نعلم ما هو، ولكنه بالتأكيد ليس إصلاحاً)، ربما يستحق الأمر مراجعة دقيقة لأسباب الفشل، وربما تقتضي الموضوعية أن يتم إعادة الاعتبار لخيار الحكومة الإلكترونية بعد أن تم التشويش عليه من قبل جهات متعددة وتبين أن معظم حالات التشويش كانت ذات أبعاد شخصية (ليس إلا)، وبعد أن وصل التردي في الأداء الحكومي إلى وضعه الحالي، حيث فقدت الحكومة قدرتها على إدارة أعمالها الداخلية، فكيف ستكون قادرة على إحداث التغييرات المطلوبة؟
سياسة (بما أن الحكومة لا تريد…):
لقد اطلعت على مبادرات محلية متعددة في مجال الحكومة الإلكترونية، وأعتقد أن معظمها تعاني من أنها تعتمد خيار (بما أن الحكومة لا تريد أن تقدم خدماتها إلكترونياً)، أي أن معظم الطروحات تنطلق من حتمية تغريد الحكومة خارج السرب (العالمي)، وتحاول إيجاد طرق التفافية لذلك، والحقيقة أنني لست مع هذا الخيار، إذ يمكنك تجاوز الأداء الحكومي المتردي في مجالات متعددة، إلا في مجال الحكومة الإلكترونية، وذلك كون تطوير الأداء الحكومي يعتبر هدفاً محورياً واستراتيجياً في أي مبادرة جدية للحكومة الإلكترونية، وتجاوز هذه الفكرة هو حكم بالفشل على هذه المبادرات.
فقاعة الخيارات الإلكترونية (عالمياً):
بعد أن بدأت تنتشر ظاهرة شركات تقديم المنتجات والخدمات إلكترونياً (أو ما تمت تسميته ب”شركات الدوت كوم”)، عانت هذه الشركات من ظاهرة الفقاعة التي أدت إلى إغلاق عدد كبير منها، بعد ذلك عاد هذا التوجه بالظهور ولكن في إطار آخر، وهو تطوير طرق عمل ونشاطات شركات الاقتصاد التقليدي لتتمكن من التعايش مع متطلبات عصر المعرفة، ومن هنا ربما يجب علينا قياس هذه الظاهرة مع وضع الحكومة الإلكترونية، وذلك كي لا نتعرض لفقاعة مشابهة، فالحكومة الإلكترونية (بالتحديد) يجب أن ترتبط بشكل أو بآخر (بالحكومة)، وهذا لا يعنى بطريقة عمل الحكومة ولكن يجب أن تؤثر نتائجها على طريقة عمل الحكومة.
الجهاز الحكومي (خارج السيطرة):
ربما يعاني العمل الحكومي السوري من وجود انفصام كامل بين التشريعات والقوانين وكل من التعليمات التنفيذية والتنفيذ الفعلي، وهذه التشوهات قد أدت لوجود جهاز حكومي (خارج عن السيطرة)، فأدوات السيطرة هي الهيئة التشريعية (التي تصدر القوانين)، والهيئة التنفيذية (التي تصدر التعليمات التنفيذية)، وبغض النظر عن مشكلة عدم انسجام التعليمات التنفيذية مع القوانين، فهناك مشكلة أعمق تتمثل في عدم التزام الجهاز الحكومي بالتعليمات التنفيذية، ويمكننا سوق مثال يتعلق بمسؤولي الضرائب في وزارة المالية، حيث أن طرق عملهم لم تتغير بعد صدور القوانين الضريبية الجديدة وتعليماتها التنفيذية أيضاً، وهذه الشكوى نسمعها من معظم المحاسبين القانونيين، وهي تدل على عمق الأزمة الحكومية، فإن كانت عملية مثل تحصيل الضرائب لا تخضع للقانون (أو لتعليماته التنفيذية)، فما الذي سيخضع للقانون؟ وهنا ربما من المفيد الإشارة إلى أن التشدد الشكلي من قبل المعنيين يؤدي لفوات كبير في دخل الخزينة، وذلك كون جعل الأمور استنسابية يجعلها قابلة للتحرك في كلا الاتجاهين، وأعتقد أن هذه المشكلة قد أصبحت واضحة (ومستفحلة).
أزمة حكومة أم أزمة أدوات حكم؟
قد لا تقتصر ظاهرة تردي الأداء الحكومي على وزارة المالية، فنظرة سريعة لقدرة الحكومة على ضبط الأسعار في الشهرين الأخيرين، أو قدرتها في العامين الماضيين على كبح جماح زيادات أسعار المساكن، أو قدرتها على إيجاد فرص عمل جديدة، أو قدرتها على تطوير التعليم (حيث انتهى مشروع المعايير بطرح مناقصات تقليدية عبر “دائرة العقود” هدفها إعادة اختراع العجلة)، أم مدى التردي في تقديم الحكومة لخدماتها الصحية، أم قساوة المقترحات المختلفة الخاصة برفع الدعم عن السلع الأساسية ورومانسيتها، يمكننا إدراك أن القضية لم تعد مجرد ترد في الأداء الحكومي، وإنما تجاوزت ذلك لتصبح أزمة في أدوات الحكم Governance وربما كان هذا الأمر منطقياً، فدولة لديها 18 مليون مواطن، وبضعة ملايين من المقيمين، لم يعد من الممكن أن تحكم دون وجود أدوات حكم متطورة.
لماذا نعود للتكنولوجيا؟
لقد تميزت الفترة السابقة بمزاودات حكمت العمل الحكومي، حيث اعتبرت الحكومة أن إطعام المواطنين وطبابتهم وتعليمهم أهم من التكنولوجيا؟ ولكن الآن يبدو أن الصورة بدأت تتضح، فمن دون التكنولوجيا لم تعد الحكومة قادرة على تقديم (هذه الخدمات) للمواطنين، ولهذا نرى أن المسؤولية تقتضي إعادة هذا الخيار إلى الواجهة، وربما يجب التذكير بالعبارة التي أوردناها ضمن العدد الأول من مجلة أبيض وأسود (قبل ست سنوات):
(تطبيقات الحكومة الإلكترونية قد تكون أكثر أهمية وجدوى للدول محدودة الموارد مما هي للدول الغنية، وبالتالي فإن الدعوة لبدء برنامج جدي محدد الفترات الزمنية والتمويل يصب في مصلحة تخفيض كلفة الأعمال الحكومية وجعلها أكثر كفاءة، وهذا سينعكس على مجمل الأداء الحكومي وعلى شفافية هذا الأداء).
والآن بعد ست سنوات من عمل الحكومة (بإخفاقاته المتتالية)، نرى أن هذه العبارة مازالت صالحة، وأن الحكومة قد هدرت مئات المليارات بسبب التهرب من هذا الخيار، وبدأت تحصد نتائج هذا التهرب، إذ لا يمكننا قبول أن حكومتنا لا تعلم أين يسكن مواطنوها؟ وكيف يعيشون؟ وأين يتعلمون؟ وماذا يعملون؟ وما هي الخدمات الحكومية التي يحصلون عليها؟ وبأي مستوى؟
وختاماً ربما علينا أن نشير إلى أن طرح برنامج خاص بالحكومة الإلكترونية قد أصبح (كما كان) شديد الأهمية، وإن كانت (الأنظمة والقوانين) لا تسمح بطرح برنامج جدي، فلا مانع من تغيير التسمية لتتلاءم مع أبواب الإنفاق المحلية، فمن الممكن أن نسمي البرنامج (احتفالية الحكومة الإلكترونية)، على شاكلة الاحتفاليات التي يتم تمويلها، أو (مهرجان الحكومة الإلكترونية) أو ربما (الدورة الرياضية للحكومة الإلكترونية)، أو (عاصمة الحكومة الإلكترونية)، أو أي من العبارات التي يمكن من خلالها أن يتم تشكيل برنامج يعمل بشكل مرن، ويمكنه تحقيق أهداف محددة، وباستخدام اعتمادات مخصصة لهذا العمل. فالحكومة تهدر المليارات سنوياً، وتحويل نسبة بسيطة من هذا الهدر لتطوير الأداء الحكومي (عبر برنامج للحكومة الإلكترونية)، ربما سيحمي قدرة الحكومة على الحكم .!
http://www.awaonline.net/index.php?action=show&type=news&id=2289
الأداء الحكومي الهابط في سوريا لا يتعلق بالحكومة الإلكترونية فحسب، بل هو منتشر إلى معظم مفاصل الدولة، إن لم نقل كلها.
وعطفاً على الموضوع بحد ذاته الاستهتار الذي وصل إليه القائمين على المواقع الإلكترونية الحكومية بلغ حداً المهزلة، فمذ فترة ليست بالبعيدة تم قرصنة موقع وزارة الكهرباء مع رسالة مخزية إلى هؤلاء المسؤولين.
من جهة أخرى تصريح لوزير التقانات يضحك الجنين في بطن أمه حين طلب في تعميمه الصادر مؤخراً حول التوقف عن التعرض لشخصيات الدولة والمسؤولين في المواقع الإلكترونية بشكل مسيء، إضافةً الى التأكد من هوية الكاتب، متناسياً سعادته بأن الفضاء الإلكتروني مختلف تماماً عن الفضاء المكتوب والمقروء على صفحات الأوراق إذ لا يمكن تقصي الكاتب والتعليقات المضافة.
شخصياً كنت سأطلب من زوار مدونتي نسخة عن الهوية الشخصية قبل التعليق لإرسالها إلى وزارة التقانات..
دمت بخير..
نايثن
والله حرام ان يكون الشعب السوري على هذا الحال مع وجود الميزانية الكافية لرفع مستواه المعيشي
للمستوى الذي يستحقه فالشعب السوري مع احترامي للاخوان العرب جميعا هو الذي يستحق الرفاه الذي
تعيشه دول حديثة مثل الامارات وقطر التي لا يزيد عمر الدولة سوى 30 او 40 سنة وهم الان من اوائل
الدول في العالم والله حرام
احب ان اقول للقائمين على تنفيذ الحكومة الالكترونية السورية ان يحاولو تنفيذ50%من الذي نفذ في قطر او الامارات
وسيكون الشعب السوري شاكر له ( انا مغترب في قطر والله عندما ارى شيء واقارنه في سورية ينفطر قلبي)
لما نحن عليه والله حرااااااااااااااااااام