الكـاتب: م. محمود عنبر

 ما هي حقوق المواطن في عصر المعلومات؟ وهل يتمتع المواطن بحقوق تتعلق بمعلوماته الشخصية من جهة؟ وبالمعلومات العامة من جهة أخرى؟ وما هو دور الحكومات في عصر المعلومات؟

العلاقة بين المواطن والحكومة:
لابد من الاعتراف بأن المواطن في عصر المعلومات قد استعاد جزءاً من التوازن في علاقته مع الحكومة، فبعد أن شهدت العقود السابقة سيطرة مطلقة للحكومات على مصادر المعلومات وأدوات نقلها وتوزيعها، مما أدى لسيطرتها على مجمل النشاطات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فإن ثورة المعلومات قد مكنت المواطنين من امتلاك بعض الأدوات التي تسمح لهم بالعودة إلى الساحة، وهذا التغيير كان يفترض بالحكومات إحداث تغييرات جذرية في طرق عملها تسمح لها بالحفاظ على دورها الناظم (تغيير الأدوات والحفاظ على الصلاحيات)، إلا أن هذا لم يحصل، وبدأت الحكومات بالتراجع تدريجياً، وبدأ دورها يتقلص محدثة فراغاً يتم ملؤه من قبل جهات متعددة في مجالات شتى.
بريد مدى الحياة:
تروج شبكة (ياهو) لتعديل في سياستها المتعلقة بمنح البريد الإلكتروني المجاني، وستطرح قريباً خدمة لبريد إلكتروني مجاني (مدى الحياة)، وربما هذا الموضوع يجب أن يؤدي لقرع جرس الإنذار محلياً حول سياساتنا في مجال المعلومات، وخاصة ما يتعلق بالبريد الإلكتروني، إذ إنني أرى أن الأمر غريباً عندما تستقر الرسالة التي نرسلها في مخدمات وراء البحار رغم أنها قد تكون مرسلة لزميل في العمل لا يبعد مكتبه عنا أكثر من بضع خطوات!
أذكر أننا قد عانينا سابقاً من إجراءات حكومية لحجب مواقع البريد الإلكتروني المجانية، وقد باءت هذه الإجراءات بالفشل، وبدلاً من أن نعالج هذه المشكلة (على الطريقة الأردنية، بابتكار بريد “مكتوب” المجاني)، فقد قمنا بوضع المواطن أمام (اللاخيار)، وهكذا عاد البريد الإلكتروني المجاني بسعات أوسع وبمزايا أكبر، وتلاها خدمات نقل الصوت والصورة عبر الإنترنت، وغير ذلك من الخدمات، وأذكر أن زيادة حجم البريد الإلكتروني المجاني عالمياً جاء بعد التوصيات المتعلقة بعدد سنوات الاحتفاظ بالرسائل التي يتم حذفها، والآن يبدو أن الموضوع قد تطور وأصبح له بعد آخر، ولهذا تحولت مخدمات البريد الإلكتروني إلى أماكن لتخزين الوثائق والصور ومحتوى (التشات) وغير ذلك مما قد يخطر لنا (ولمدى الحياة)، حتى أصبحت معلوماتنا الخاصة مكشوفة بشكل كامل، ومازالت سياسة أمن المعلومات المحلية مقتصرة على حجب وفتح بعض المواقع!!

المعلومات الحكومية (هل هي في وضع أفضل)؟
لا أعتقد أن المعلومات الحكومية في وضع أفضل، فالبريد الحكومي الإلكتروني لا يمتلك الحد الأدنى من الوثوقية، وكثيرة هي المرات التي أرسلت بريداً إلكترونياً لوزارة، ولم يصل البريد بسبب امتلاء (صندوق البريد الرسمي الخاص بالوزارة)، ولا أدري أي سياسة حكومية تلك التي قررت أن البريد الإلكتروني الحكومي يسمح له أن يعاني من الامتلاء!
طبعاً، ضعف مصداقية البريد الحكومي جعل معظم الموظفين يتعاملون بالبريد المجاني (الموثوق)، ولكن هذا وضع المعلومات الحكومية بين أيدي شركات البريد الإلكتروني المجانية العالمية أيضاً. طبعاً إن لم نشر إلى المواقع الحكومية التي تمت استضافتها في مواقع شتى، بينما استضافتها على المخدمات المحلية يعني فقدانها لجزء كبير من إمكاناتها الفنية (في حال وجودها)، خاصة وأن سوريا مازالت لا تسمح بشركات استضافة خاصة محلياً، مما أدى إلى احتكار هذا الموضوع بين أيدي مزودي خدمات الإنترنت الذين لا يفترض أن يكون لديهم خبرات متقدمة في هذا المضمار، وهذا يعني وضع المؤسسات العامة والخاصة بين خياري سوء الخدمة أو ضعف أمانها.

سياسة خاصة بالمعلومات:
ربما تثير النقاط السابقة موضوع أهمية السياسات الخاصة بالمعلومات، وغيابها عن المؤسسات الحكومية، وبينما تعتبر عملية انكشاف المعلومات الخاصة قضية فردية (رغم أنه لها أبعاد أخرى) فإن انكشاف المعلومات الحكومية بالطريقة نفسها هو أمر شديد الخطورة، ويبين أن تهاون الحكومة في وضع سياسات خاصة بنظم معلوماتها لم يؤد لحماية هذه المعلومات وإنما لانكشافها بطريقة متسارعة.
ومن هنا، فإن اعتماد الحكومة على نظم معلومات القرن التاسع عشر لإدارة مؤسسات القرن الحادي والعشرين، لا يعتبر أكثر من انسحاب من المهام، ودعوة مجانية للجهات الأخرى لملء الفراغ الحاصل.

مشروع شارع الملك فيصل:
يبدو أن تردي الأداء الحكومي لا يقتصر على مجال محدد وإنما ينسحب على كافة المجالات، ويبدو العجز الحكومي حتى عن إدارة مواضيع يفترض أن تكون بسيطة، كمشاريع التنظيم الخاصة بالمدن، جعلها تتحول إلى قضايا ذات أبعاد سياسة ودولية (وفق طرح السيد وزير الثقافة خلال حديثه في العدد السابق من مجلة أبيض وأسود)، وربما هنا علينا التساؤل فيما إذ كان فعلاً هناك محاولة لاستملاك مواقع وتحويلها إلى سوق تجاري (فتلك مصيبة)، أما إن لم يكن هناك مثل هذا المشروع، وكان الأمر يقتصر على (إزالة التعديات والتشوهات) كما ذكر أحد أعضاء المكتب التنفيذي لمدينة دمشق في المقابلة نفسها، فالمصيبة أعظم، إذ أنه من المثير للاستغراب أن تصمت المحافظة على كل الضجة التي أثيرت ولعدة أشهر، وقد أشرنا في حينه للعريضة الإلكترونية التي تم إرسالها إلى المنظمات الدولية بهذا الخصوص، وكان جواب المحافظة الاستخفاف وبأن دمشق لا يمكن رفعها عن قائمة التراث العالمي! وهكذا انتظرت المحافظة إلى أن وقع المحظور وأصبح موضوع شارع الملك فيصل يناقش في المحافل الدولية، وتم طرح فكرة وضع تراث مدينة دمشق (كتراث مهدد بالخطر)، وعندها تحركت (فقط لتحميل مسؤولية أخطائها الاستراتيجية لجهات أخرى)، ولكنها حتى الآن لم تنف (أو تؤكد)، وربما لأنها مثلنا (لا تعلم ماذا سيحصل!)

هل هناك مشروع فعلاً؟
للأسف ربما علينا أن نعترف بأن ثقافة المشاريع غير موجودة في سوريا، فالمشروع له أسس وضوابط، وربما يكون من أهمها وجود أهداف معلنه للمشروع، واعتمادات ودراسة جدوى، ومدير مشروع، وخطة مشروع، وتاريخ بداية ونهاية، وجهات متعاقد معها للتنفيذ، وبمجرد أن كل هذا اللغط قد حصل عن المشروع، ولم تنشر أي وثيقة حتى الآن حول المشروع، فهذا يعني أننا لسنا أمام مشروع، بقدر ما أننا أمام أعمال لا أحد يعلم أين تبدأ وكيف تبدأ وكيف تنفذ وأين وكيف تنتهي؟
كما يبدو من تصريحات المعنيين في المحافظة، فإنهم لم يدركوا (وربما لن يدركوا) أين تكمن المشكلة الحقيقية، فالقضية ليست في قانونية (أو عدم قانونية)، وفي صوابية (أو عدم صوابية) ما يقومون به، ولكن في أسلوب تعاملهم مع المواطنين والمثقفين وكأنهم غير موجودين، وبالتالي فهم غير مطالبين بتوضيح أي أمر أو بالاستجابة لأي أمر، ويكفيهم إصدار الأوامر لبلدوزراتهم لتنفيذ عمل ما، وطالما قررت المحافظة أن تمعن في تحدي المواطنين، واعتبارهم غير موجودين، فعليها تحمل النتائج، وإن كان هناك محاذير سياسية لما حدث، فالمسؤولية ليست على المواطن الذي يبحث عن أي وسيلة للحفاظ على مكان سكنه أو مصدر دخله، ولكن في الجهات التي تتخذ قرارات لا تدرك أبعادها، أو الطرق السليمة لتنفيذها.
وختاماً، نعيد التأكيد بأن الحكومات يجب عليها تغيير أساليبها، فمواطن القرن الحادي والعشرين، لم يعد من الممكن التعامل معه بهذه الطريقة البدائية، فالمحافظة التي ليس لديها معلومات عن معظم مباني العاصمة (في ما يسمى بمناطق السكن العشوائي)، والتي لا يوجد لديها تصور حول كيفية توسع المدينة، والتي لا يمكنها إدارة مشاريع وفق الحد الأدنى لطرق الإعداد والإطلاق لمشاريع، والتي لم تتمكن من تنظيف العاصمة (بالحد الأدنى)، وفشلت في ترقيم مباني دمشق بعد (مشروع للترقيم) بدأ ولم ينته حتى الآن، لا يمكن أن تكون موضع ثقة المواطن، وعلى المحافظة إعادة النظر في مستوى شفافية أعمالها، ومن أهمها طريقة حفظ أو نشر المعلومات المتعلقة بمشاريع وخطط المحافظة، فالمواطن جزء من آلية اتخاذ القرار، ولا نعتقد بأن إخفاء المعلومات عنه في مصلحة أحد

اترك رد