[ad]
من كتاب ( صحوة الناس ) عزيز نيسين
إن تاريخنا ثري بالأصهرة المشهورين والمعروفين . وبلدنا رعت وأنشأت أصهرة كثيرين كالذين يزرعون الدخان ، والفستق ، والعنب ، والبلوط . …..
والذين صاروا بإنتاج محاصيلهم في طليعة دول العالم .
وفي مثل بلدنا الذي رعى وأنشأ مجموعات كبيرة من الأصهرة .. فقد ظل بعضهم طي النسيان ، وما زال الكثير منهم لم يكتب عن سيرهم كتاب واحد … وهذا يعد تقصيرا كبيرا للناشرين في تركيا .
السيد الناشر :
تحية طيبة وبعد . في هذه القصة سنستعمل الكلمات التركية للتوصل إلى المعنى الحقيقي … وبدونها لن نتوصل إلى ترجمة القصة أبدا … وليس علينا سوى أن نتعرف إلى بعض الكلمات القليلة .
دامات : الصهر
قاينانا : حماتي .
قاين: الكنة .
Peder :الأب
Anne:الأم آنا .
قاين brader:أخ الزوجة أو ابن الحما .
من المعروف إن أصل كلمة( قاينانا) الحماة . هي : ( قايم أنا أو قينانا ) وأصل قايم peder ( بدر) الحما : هي قايم بدر وأصل كلمة ( قاين برادر ) ابن الحما ( قايم برادر ) قايم والدة . . .
وضعت محل الوالدة . كلمة القايم التي تأخذ هنا معنى الأم ( آنا ) . أما ( قاين peder) و( قاين برادر) معناه الإنسانو بموجب هذه القاعدة اللغوية يجب أن يسمى ( دامات ) أو الصهر ( قايم أولاد ) . والسؤال هنا يطرح نفسه عجبا لماذا يقال له( دامات ) ( أي بمعنى الصهر ) . إن سبب هذا يستند إلى حادثة تاريخية قديمة جدا . . . وكما هو معلوم فإن الملوك يجعلون من المقربين إليهم أو الذين يحبونهم ، باشاوات ( باشا ) ثم يزوجونهم بناتهم ، أو أخواتهم . وأحيانا يحصل العكس . . . يزوج ابنته أو أخته لأحدهم فيجعل منه باشا . وبما أن (الدامات ) الأصهار مبنية في أكثر الأحيان على مصالح سياسية أو تجارية .. أو اقتصادية . ومن الطبيعي أن يتشكل لهم بالمقابل أعداء كثيرون حسدا .. ولن يتوانى الأعداء على البطش بالصهر أو الدامات في أول فرصة سانحة .
وهناك أثر تاريخي رائع وقيم للمؤرخ ( شمس جودت باشا ) بخط يده وعنوانه ( تذكرة الدومادا . وداعا للأصهرة ) . ودومادا بالعربية معناها الأصهرة ( حرفيا من الكاتب ) . وفي هذا الأثر يحاول ( شمس جودت باشا ) بإظهار كلمة الدامات وتفسيرها :
( خطف بعض الأتراك طفلا اسمه ( ميجو) من بالوز . وعرضوه للبيع … كان الطفل قد لفت أنظار الشاه زادة جعفر فاشتراه ، وأسكنه منزله حيث أدخله المدرسة ، وأشرف على تربيته بصورة جيدة … وعندما أصبح جعفر ملكا . جعل من الولد العزيز ( صدرا أعظم ) . وبعد ذلك زوجه ابنته وجعل منه (قايم أولاد) أي صهرا أو ( داماتا ) .
لكن المسكين تعرض لوشايات الأعداء وافتراءاتهم ، وغمزوا الباشا عليه فما كان من الأخير إلا أن نقم على صهره ، وطلب من الجلاد قطع رأسه . وبعد أن فصل الجلاد رأس الصهر عن بدنه … سأل الملك ماذا أفعل بهذا الرأس يا مولاي ؟عندها أجابه الملك : ( داما آت .. داما آت ) ومعناه : ارمه عن السطح . ( دام =السقف . آت = ارم ) . وتكررت الجملة على لسان الحاشية كثيرا . . وتحورت من ( داما آت ) إلى ( دامات ) أي الصهر . . . وهكذا ظهرت كلمة دامات إلى حيز الوجود . إن هذه الحادثة تظهر سلوك الداماتية المبني على المصالح السياسية والتجارية والاقتصادية . . وخطرة وبومبو . . .) .
وبما أن الكتاب مكتوب بخط اليد . . . وقديم ، فإن الحروف بعد بومبو غير واضحة . ولم يستطع أحد قراءتها .. ولكن من السهل أن يخمن الإنسان الحرف أو الحروف التي أراد الكاتب شمس جودت باشا أن يقولها : و هي( بومبوش) أي فارغة .
ومن الداماتية أو الأصهار المشهورين في تاريخنا والذين من الصعب إحصاؤهم . وأول ما يخطر على بال الإنسان هو صهر سليمان ( إبراهيم باشا ) . . وصهره ( رستم باشا ) . ( الذين ألقي بهما من على السطح ) . وصهر السلطان أحمد الدامات نفشهرلي إبراهيم باشا وزوج السلطان ( ناجية ) ( أنور باشا ) وصهر السلطان مجيد الدامات ( فريد باشا ) وحتى في عهد الجمهورية انكشفت الداماتية أكثر وتوزعت . . لقد دامت مؤسسة الداماتية عندنا على أسس ثابتة ولا تزال إلى الآن . وبما أنها أي الداماتية تستند إلى جذور تاريخية قديمة جدا . نستطيع أن نقول عنها أنها من أكثر المؤسسات إنتاجا وعطاءا بالنسبة للرأسمال .
وكما أنه لدينا الكثير من الدامات التاريخيين .. كذلك لدينا مثلهم من الدامات الجغرافيين . والمشهورين أيضا . وإذا قمنا بمقارنة بين الدامات التاريخيين والجغرافيين نستطيع القول كما هو معروف : أنه يقال للدامات المشهورين في عهد السلطنة ( حضرة الدامات شهريار ) . أما الصفات التي كانت تعطى لدامات الجمهورية مثلا ( الدامات الحمار ) وحاشا من هنا . . أليس عيبا من أجل صهر أو دامات قليلي التربية . نظلم الحموات . ولهذا السبب وصف أحد الشعراء المشهورين . . حموات الجمهورية بهذه الكلمات :
( لم يتعب من شيء في حياته
كما تعب وذاق الأمرين من داماته .
وآه عليك يا عبد الرحمن جلبي )
فالشاعر وضع اسم عبد الرحمن جبلي في بيته الأخير ملمحا إلى الأصهار … أو الداماتية .. وعندما لم يجد الخروف الضائع ، تحدث عن العنزة التي كانت تمر أمامه .
أما الفرق الثاني بين دامات عهد السلطنة المشهورين ودامات الجمهورية هو: أنه في عهد الملكية كان الدامات غالبا ما يصبحون صدرا أعظم أما الدامات المشهورين في عهد الجمهورية فلا يكونون سوى الاذن اليسرى للصدر الأعظم الحالي .. وليس لهم عمل سوى الثرثرة وقلة الأدب .
ولكن الشيء المشترك بين الدامات التاريخين والجغرافيين .هو أن الفئتين تنتسبان إلى الفئات (الدنيا) …ثم تصعدان وتنتسبا خلال وقت قصير إلى الطبقات العليا . مثلا : الدامات إبراهيم باشا كان ابنا لأحد الصيادين الطليان . أما الدامات نفشهرلي إبراهيم باشا كان ابن مزارع فقير في إحدى القرى . أما دامات الجمهورية . ومع أنهم يحسبون أولادا للجمهورية . فإن أحدهم أي من الدامات الجمهوريين المشهورين يقال له : هين بن هين .
والتشابه الكبير بين الدامات التاريخيين والجغرافيين .. فالجنسان جاءا من الجبل .. وحاولا الجلوس محل القاطنين في المزرعة . والسيطرة عليها . ( هناك مثل شعبي تركي شائع : ( جاء الجبلي ليطرد الحضري ) .
وليس الدامات الجغرافيون أقل شأنا وعددا من الدامات التاريخيين . ولهذا السبب فقط فإننا نحاول أن نلقي نظرة علمية فاحصة على مؤسسة الداماتية . بدلا من أن نتطرق بالحديث عن واحد منهم .
لو كان ولد الجمهورية ( الدامات ) واحدا. لكان هذا الشعب المعدوم الفقير يأكل العسل والسمن واللحم . لا يفكر بأمور أخرى . ولكن عهد الجمهورية كان معطاء جدا من حيث الدامات . وخاصة دامات هذا الزمن . لأن أقصر طريق للوصول إلى الشهرة وقوة الكلمة والمال لا يمر سوى من والد الزوجة ومن وسائل الإعلام . لهذا فإنهم يحاولون وبشتى الوسائل الإيقاع بين العائلة الواحدة . أما دامات آخر زمن فهو مثل منقار الغراب الذي يأكل الجيفة . إذا لم يجد ثيابا قذرة ليوسخها بقلمه . يوسخ الثياب ثم يدخل قلمه فيها . وبهذا يشعر أنه يخدم الوطن على أكمل وجه … ويحظى بأعلى درجات الذوق والسعادة .
وليكونوا دامات أية مرحلة من المراحل . فإنهم جميعا ليس عندهم مشكلة عدم وجود مسلك ما في حياتهم . لأنهم بالأصل تبنوا مسلك الداماتية برضاهم وصاروا محترفين في مسلكهم هذا . فمثلا أحد الدامات المحترفين كونه قد صار ( رئيسا للسبعة وذمتها ) وذلك ( بالفخرية ) فهو يوزع العقول على المسؤولين . وأصبح مديرا للمرور إلى الحياة السياسية بوجهين .
– أنت اذهب من هنا !
– أنت وقف هناك
– أنت … ارجع
– ابتعدت …توقف بعض الشيء
– التفت نحو اليمين
– مر من هنا نافخا بفارته ( هيس ماسترز فوجيه ) مشعلا المصابيح الخضراء أو الحمراء للسياسة . ولذلك نجحوا في تعقيد الحياة الاجتماعية والسياسية التي يعجب بها الأجانب .
– ويقولون أنه في أحد الأيام جمع خرافه وأغراضه وذهب مع الشيطان منهزما . ويقول شهود عيان أنه ضحك على الشيطان نفسه . والذين يضحكون على الشيطان … يتراءون للذين لا يعرفون شيئا وكأنهم عرفوا أشياء كثيرة . والحقيقة هي أنه يعرف الأشياء كمن يمد إصبعه إلى أصناف الطعام ليتذوق نكهتها . مثل هذا الشخص يكون بسيطا جدا . ومن خدم البلد بأخذه مسلك الداماتية أو هكذا كما يقول عن نفسه . ولكي يبقى على حياد في كل الأمور … فهو لا ينتسب إلى حزب من الأحزاب أو يصير عضوا في مجلس الأمة . ولكنه يدير أشغاله ومصالحه على أكمل وجه بكل السبل والوسائل .
وبما أن الداماتية مسلك فيه الغيرة والعداوة على الدوام . فيجب على الدامات المشهورين عندنا أن يكونوا قد أخذوا الدروس والعبر من التاريخ وأن يكونوا حذرين جدا … لأن الواقفين على الدور والذين يحملون الملاعق في أيديهم ينتظرون الفرصة المناسبة لخنق هؤلاء الدامات في ملعقة من الماء .